وإدخال أهل الجنة الجنة، وإدخال أهل النار النار صح جعله ظرفًا للكل، كما تقول: جئت عام كذا، وإنما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته.
وجملة قوله: ﴿لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ في محل نصب على الحال من ضمير ﴿تُعْرَضُونَ﴾، و ﴿مِنْكُمْ﴾ كان في الأصل صفة لـ ﴿خَافِيَةٌ﴾ فقدم للفاصلة، فتحول حالًا.
والمعنى: تعرضون على الله حال كونكم غير خاف عليه تعالى فعلة خفيّة منكم تخفونها عن غيركم؛ أي: سر من أسراركم؛ لأنّ العرض لإفشاء الحال والمبالغة في العدل، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)﴾. فقوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ يعلق بما قبله وبما بعده على التجاذب. قال في "الكشاف": ﴿خَافِيَةٌ﴾؛ أي؛ سريرة وحال كانت تخفى في الدنيا بستر الله عليكم، والسر والسريرة هو الذي يكتم ويخفى، فتظهر يوم القيامة أحوال المؤمنين، فيتكامل بذلك سرورهم وتظهر أحوال غيرهم فيحصل الحزن والافتضاح. ففي الآية زجر عظيم عن المعصية لتأديتها إلى الافتضاح على رؤوس الخلائق، فقلب الإنسان ينبغي أن يكون بحال لو وضع في طبق وأدير على الناس لما وجد فيه ما يورث الخجالة، وهو صفة أهل الإخلاص والنصيحة.
وقرأ الجمهور (١): ﴿لَا تَخْفَى﴾ بتاء التأنيث. وقرأ عليّ، وابن وثّاب، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وابن مقسم عن عاصم، وابن سعدان بالياء.
والمعنى (٢): فيومئذٍ تحاسبون وتسألون لا يخفى على الله شيء من أمورك، فانه تعالى عليم بكل شيء لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، كما جاء في آية أخرى ﴿لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾. وفي هذا تهديد شديد، وزجر عظيم، ومبالغة لا تخفى، وفضيحة للكافرين، وسرور للمؤمنين بظهور ما كان خفيًّا عليهم من أعمالهم، وبذلك يتكامل حبورهم وسرورهم. وفي هذا العرض إقامة للحجة، ومبالغة في إظهار العدل.
أخرج الإِمام أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن ماجة، وابن مردويه

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon