ويصحون فلا يمرضون، وينعمون فلا يرون بؤسًا أبدًا.
والمعنى: فهو يعيش عيشة مرضية خالية مما يكدرها مع دوامها، وما فيها من إجلال وتعظيم.
٢٢ - ثم فصل ذلك بقوله: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (٢٢)﴾؛ أي: مرتفعة المكان؛ لأنها في السماء كما أن النار سافلة؛ لأنها تحت الأرض. أو مرتفعة الدرجات أو الأبنية والأشجار، فيكون عالية من الصفات الجارية على غير من هي له، وهو بدل من ﴿عِيشَةٍ﴾ بإعادة الجار. ويجوز كونه متعلقًا بـ ﴿عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾؛ أي: يعيش عيشًا مرضيًّا في جنة عالية.
٢٣ - ﴿قُطُوفُهَا﴾؛ أي: ثمرات تلك الجنة، جمع قطف بالكسر، وهو ما يقطف ويجتنى بسرعة، والقطف بالفتح مصدر. قال سعدي المفتي: اعتبار السرعة في مفهوم القطف محل خلاف، قال ابن الشيخ: معنى السرعة قطع الكل بمرّة. وفي "القاموس": القطف بالكسر: العنقود، واسم للثمار المقطوفة انتهى. فلا حاجة إلى أن يقال: غلب هنا في جميع ما يجتني من الثمر عنبًا كان أو غيره. ﴿دَانِيَةٌ﴾؛ أي: قريبة من مريدها وآخذها، ينالها القائم والقاعد والمضطجع من غير تعب ولا كدّ. وقيل معناه: لا يتأخّر إدراكها انتهى. وإذا أراد أن تدنو إلى فيه دنت بخلاف ثمار الدنيا، فإن في قطفها وتحصيلها تعبًا ومشقة غالبًا، وكذا لا تؤكل إلا بمزاولة اليد. يقول الفقير: أشجار الجنة على صورة الإنسان. يعني: أن أصل الإنسان رأسه، وهي في طرف العلو، ورجله فرعه مع أنها في طرف السفل، فكذلك أصول أشجار الجنة في طرف العلو، وأغصانها متدلية إلى جانب السفل، ولذا لا يرون تعبًا في القطف على أن نعيم الجنة تابع لإرادة المتنعم به، فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقّة.
٢٤ - وقوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ مقول لقول مضمر، والجمع بعد قوله: ﴿فَهُوَ﴾ باعتبار المعنى، والأمر أمر امتنان وإباحة لا أمر تكليف ضرورة أنَّ الآخرة ليست بدار تكليف. وجمع بين الأكل والشرب؛ لأن أحدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه، ولذا لم يذكر هنا الملابس، وإن ذكرت في موضع آخر. والمعنى؛ أي: يقال لمن أوتي كتابه بيمينه: كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقًا. ﴿هَنِيئًا﴾؛ أي: أكلًا وشربًا هنيئًا؛ أي: سائغًا لا تنغيص فيه في الحلقوم، وجعل الهنيء صفة لهما؛ لأن المصدر يتناول المثنى أيضًا، من هنؤ الطعام والشراب؛