أن يعطي ويبذل من ماله. أو المعنى: ولا يحثهم على إطعامه على أن يكون الطعام اسمًا وضع موضع الإطعام، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء، كما قال الشاعر:

أَكُفْرًا بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّيْ وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِئَةَ الرّتَاعَا
أي: بعد إعطائك. فالإضافة حينئذٍ إلى المفعول، وذكر الحضّ دون الفعل، ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل. يعني: يكون ترك الفعل أشد في أن يكون سبب المؤاخذة الشديدة. وجعل حرمان المسكين قرينة للكفر، حيث عطفه عليه للدلالة على عظم الجرم، فتخصيص الأمرين بالذكر لما أن أقبح العقائد الكفر، وأشنع الرذائل البخل. والعطف للدلالة على أن حرمان المسكين صفة الكفرة كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧)﴾. فلا يلزم أن يكون الكفار مخاطبين بالفروع.
وقال ابن الشيخ (١): فيه دليل على تكليف الكفار بالفروع على معنى أنهم يعاقبون على ترك الامتثال بها كعدم إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة والانتهاء عن الفواحش والمنكرات، لا على معنى أنّهم يطالبون بها حال كفرهم، فإنهم غير مكلفين بالفروع بهذا المعنى لانعدام أهلية الأداء فيهم. لأن مدار أهلية الأداء هو استحقاق الثواب بالأداء، ولا ثواب لأعمال الكفّار، وأهلية الوجوب لا تستلزم أهلية الأداء، كما تقرر في الأصول انتهى.
والحاصل: أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة لا غير.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها الآخر بالإطعام والحضّ عليه؟
والمعنى (٢): أنّه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكين، وفي جعل هذا قرينًا لترك الإيمان بالله من الترغيب في الصدقة على المساكين، وسدّ
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon