فاقتهم وحثّ النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجراثم وأشد المآثم.
٣٥ - ﴿فَلَيْسَ لَهُ﴾؛ أي: لذلك الكافر ﴿الْيَوْمَ﴾؛ أي: في هذا اليوم، وهو يوم القيامة ﴿هَاهُنَا﴾؛ أي: في هذا المكان، وهو مكان الأخذ والغلّ. ﴿حَمِيمٌ﴾؛ أي: قريب نسبًا أو ودًّا يحيمه ويدفع عنه العذاب ويحزن عليه؛ لأن أولياءه يتحامونه ويفرون منه كقوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (١٠)﴾. وقال في "عين المعاني": قريب يحترق له قلبه من حميم الماء. وقال الفاشانيّ: لاستيحاشه من نفسه فكيف لا يستوحش منه غيره وهو من تتمة ما يقال للزبانية في حقه إعلامًا بأنه محروم من الرحمة وحثًّا لهم على بطشه.
٣٦ - ﴿وَلَا طَعَامٌ﴾ له ﴿إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ والغسلين فعلين من الغسل، وفي "القاموس": الغسلين بالكسر: ما يغسل من الثوب ونحوه كالغسالة، وما يسيل من جلود أهل النار، والشديد الحرّ، وشجر في النار انتهى. والمعنى: وليس له طعام يأكله إلا من غسالة أهل النار وما يسل من أبدإنهم من الصديد والدم بعصر قوة الحرارة الناريّة منهم.
روي: "أنه لو وقعت قطرة منه على الأرض.. لأفسدت على الناس معايشهم".
٣٧ - وقوله: ﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (٣٧)﴾ صفة لـ ﴿غِسْلِينٍ﴾. والتعبير (١) بالأكل باعتبار ذكر الطعام؛ أي: لا يأكل ذلك الغسلين إلَّا الآثمون أصحاب الخطايا، وهم المشركون، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما. ويحتمل أن يراد بهم الذين يتخطون الحق إلى الباطل، ويتعدون حدود الله تعالى من خطىء الرجل من باب علم إذا تعمد الخطأ؛ أي: الذنب، فالخاطىء هو الذي يفعل ضدّ الصواب متعمدًا لذلك، والمخطىء هو الذي يفعله غير متعمد؛ أي: يريد الصواب فيصير إلى غيره من غير قصد، كما يقال: المجتهد يخطىء وقد يصيب. وفي "عين المعاني": الخاطئون طريق التوحيد. وقرأ الجمهور (٢) ﴿الْخَاطِئُونَ﴾ بالهمز اسم فاعل من خطىء، وهو الذي يفعل ضدّ الصواب متعمدًا لذلك ما ذكرنا آنفًا. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، وطلحة، ونافع بخلاف عنه ﴿الخاطون﴾ بضمّ الطاء دون همز، فالظاهر اسم فاعل

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon