الظاهرة وما لا تبصرون من النعم الباطنة. وقيل: بما تبصرون هو ما أظهره الله لملائكته من مكنون غيبه من الملكوت واللوح، والقلم وجميع خلقه وما لا تبصرون هو ما استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه. والإقسام بغير الله إنّما نهي عنه في حقّنا، وأما هو تعالى فيقسم بما شاء على ما شاء.
٤٠ - ثم ذكر المقسم عليه، فقال: ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: إنَّ هذا القرآن الذي أنزل على محمد - ﷺ - ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ﴾؛ أي: لتلاوة نبيّ مرسل منّا إليكم ﴿كَرِيمٍ﴾ على الله تعالى، وهو محمد - ﷺ -. فهو في غاية الكرم الذي هو البعد عن مساوىء الأخلاق بإظهار معاليها لشرف النفس وشرف الإباء. وكرم الشيء اجتماع الكمالات اللائقة به فيه. يدل على هذا المعنى مقابلة رسول بشاعر وكاهن؛ لأنَّ المعنى على إثبات أنه رسول لا شاعر ولا كاهن، ولم يقولوا لجبريل: شاعر ولا كاهن. وقيل: المعنى: أنّه لتبليغ ملك مرسل منّا إلى محمد - ﷺ - كريم عظيم عند الله تعالى، هو جبريل عليه السلام، وما هو من تلقاء محمد كما تزعمون وتدعون أنه شاعر أو كاهن. ويدل على هذا المعنى قوله: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)﴾. وعلى كلا التقديرين فالقرآن ليس من قول محمد - ﷺ -، ولا من قول جبريل عليه السلام بل هو قول الله فلا بدّ من تقدير التلاوة أو التبليغ كما قدرنا.
فإن قلت (١): قد توجه هاهنا سؤال، وهو أن جمهور الأمّة، وهم أهل السنة مجمعون على أن القرآن كلام الله، فكيف يصح إضافته إلى الرسول؟.
قلت: أما إضافته إلى الله تعالى فلأنه هو المتكلم به، وأما إضافته إلى الرسول؛ فلأنّه هو المبلغ عن الله تعالى ما أوحي إليه، ولهذا أكّده بقوله: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٨٠)﴾ ليزول هذا الإشكال. قال ابن قتيبة: لم يرد أنّه قول الرسول وإنّما أراد أنّه قول الرسول المبلّغ عن الله تعالى، وفي ﴿الرسول﴾ ما يدل على ذلك، فاكتفى به عن أن يقول: عن الله تعالى.
٤١ - ﴿وَمَا هُوَ﴾؛ أي: وما هذا القرآن ﴿بِقوَلِ﴾ رجل ﴿شَاعِرٍ﴾ ولا هو من ضروب الشعر ولا تركيبه كما تزعمون ذلك تارةً. والشاعر: هو الذي يأتي بكلام مقفى