كلامهم ذكر الله انتهى. قال أبو السعود في "الإرشاد": وأنت خبير بأن ذلك أيضًا مما لا يتوقف على تأمل قطعًا انتهى. أي: فتعليلهم بالفرق غير صحيح، وفيه أن الإنابة شرط للتذكر كما قال تعالى: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾. والكافر ليس من أهل الإنابة، وأيضًا ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ أي: أولو العقول الزاكية والقلوب الطاهرة، والكافر ليس منهم فليس من أهل التذكر، ولا شك أن كون الشيء أمرًا بينا لا ينافي التذكر، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (٤٢)﴾ مع أن شواهد الألوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عندكم خيبر على أنه يظهر من تقريراتهم أنه لا بد من التذكر في نفي الكهانة لخفاء أمرها في الجملة بالنسبة إلى الشعر، والعلم عند الله العلام.
وحاصل معنى الآيات: فأقسم لكم بالأشياء كلها ما يبصر منها، وما لا يبصر إن هذا القرآن كلام الله سبحانه ووحيه أنزله على عبده ورسوله محمد - ﷺ -، وما هو بقول شاعر؛ لأنَّ محمدًا لا يحسن قول الشعر. تؤمنون بذلك القرآن إيمانًا قليلًا، والمراد أنهم لا يؤمنون أصلًا، أو يؤمنون بقلوبهم قليلًا، ثم يرجعون عنه سريعًا، ولا بقول كاهن كما تزعمون؛ لأنه سب الشياطين وشتمهم فلا يمكن أن يكون بلهامهم، ولكنكم لما لم تستطيعوا فهم أسرار نظمه قلتم من كلام الكهّان.
٤٣ - ثم أكد ما تقدم بقوله: ﴿تَنْزِيلٌ﴾؛ أي: بل كتاب منزل ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وإله الأولين والآخرين، أنزله على لسان جبريل تربية للسعداء وتبشيرًا لهم وإنذارًا للأشقياء، كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)﴾، وقال تعالى: ﴿وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾. فعبر عن اسم المفعول بالمصدر مبالغة.
وقرأ (١) ابن كثير، وابن عامر، وأبو عمرو بخلاف عنهما، والجحدريّ، والحسن ﴿يؤمنون﴾، ﴿يذكرون﴾ بالياء فيهما، وباقي السبعة بتاء الخطاب. وقرأ أبيّ ﴿تتذكرون﴾ بتاءين كما مرّ بعضه قريبًا نقلًا عن "البيضاوي". وقرأ الجمهور ﴿تَنْزِيلٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو تنزيل. وأبو السّمال ﴿تنزيلا﴾ بالنصب على المصدرية بضمار فعل؛ أي: نزل تنزيلًا. والمعنى: أنه لقول رسول كريم، وهو تنزيل من رب العالمين على لسانه.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon