٤٤ - ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ﴾ ذلك الرسول، وهو محمد - ﷺ - أو جبريل عليه السلام على ما تقدم. والتقوّل: تكلّف القول؛ أي: اختلق ﴿عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ كما يتقوله الشعراء؛ أي (١): ولو ادعى محمد علينا شيئًا لم نقله كما تزعمون كما قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣)﴾. وفي ذكر البعض إشارة إلى أن القليل كاف في المؤاخذة الآتية فضلًا عن الكثير. سمّي الافتراء تقولا وهو بناء التكلف، لأنه قول متكلف كما قال صاحب "الكشاف": التقول افتعال القول واختراعه من عند نفسه؛ لأنّ فيه تكلفًا من المفتعل. وسميت (٢) الأقوال المفتراة أقاويل تحقيرًا لها؛ لأنَّ صيغة أفعولة إنما تطلق على محقرات الأمور وغرائبها كالأعجوبة مما يتعجب منه، والأضحوكة لما يضحك منه، وكان الأقاويل جمع أقوولة من القول وإن لم يثبت عن نقلة اللغة، ولم يكن أقوولة مستعملًا لكن كونه على صورة جمع أفعولة كاف في التحقير. ويؤيد أنه ليس جمع الأقوال لزوم أن لا يعاقب بما دون ثلاثة أقوال، فالأقاويل هاهنا بمعنى الأقوال لا أنه جمعه. وفي "حواشي ابن الشيخ": الظاهر أن الأقاويل جمع أقوال كأناعيم جمع أنعام جمع نعم، وأباييت جمع أبيات جمع بيت.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ﴾ بوزن تفعل مبنيًا للفاعل. والتقول: أن يقول الإنسان عن آخر، إنه قال شيئًا لم يقله. وقرأ ذكران وابن محمد ﴿يقول﴾ مضارع قال، وهذه القراءة معترضة بما صرحت به قراءة الجمهور، وقرىء ﴿ولو تُقُول﴾ مبنيًا للمفعول، وحذف الفاعل، وقام المفعول مقامه، وهو ﴿بعض﴾ إن كان قرىء مرفوعًا، وإن كان قرىء منصوبًا فـ ﴿علينا﴾ قام مقام الفاعل.
والمعنى: ولو تقول علينا متقول ولا يكون الضمير في ﴿تقول﴾ عائدًا على الرسول محمد - ﷺ - لاستحالة وقوع ذلك منه، فنحن نمنع أن يكون ذلك على سبيل الفرض في حقه - ﷺ -، ذكره في "البحر".
٤٥ - ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ﴾ حال من قوله: ﴿بِالْيَمِينِ﴾؛ أي (٤): لأخذنا بيده اليمين منه. قال ابن جرير: إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب. وقال الفراء والمبرد والزجاج وابن قتيبة: ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)﴾؛ أي:

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.
(٤) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon