والتحامل والتحمّل. وحكى أبو زيد عن العربي ﴿تفاوُتًا﴾ بضمّ الواو وفتحها وكسرها، والفتح والكسر شاذّان.
والمعنى على كلا القراءتين (١): ما ترى في خلق الرحمن من تناقض ولا تباين ولا تخالف ولا اعوجاج ولا تناقص، بل هي مستقيمة دالة على خالقها، وإن اختلفت صورها وصفاتها.. فقد اتفقت من هذه الحيثية.
﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ﴾؛ أي: رد بصرك أيها الرائي إلى رؤية السماء ونظرها حتى يتضح ذلك بالمعاينة، ولا يبقى عندك شبهة ما. و (رجع) يجيء (٢) لازمًا ومتعدّيًا كما هنا، يقال: رجع بنفسه رجوعًا، وهو العود إلى ما منه البدء، مكانًا كان أو فعلًا أو قولًا، بذاته كان رجوعه أو بجزءٍ من أجزائه أو بفعل من أفعاله ورجعه غيره رجعًا أي: رده وأعاده.
﴿هَلْ تَرَى﴾ فيها ﴿مِنْ فُطُورٍ﴾؛ أي: من شقوق وصدوع وخروق لامتناع خرقها والتئامها، قاله الفاشاني. ولو كان لها فروج.. لفاتت المنافع التي رتبت لها النجوم المفرقة في طبقاتها أو بعضها، أو كمالها كما في المناسبات. فإذا لم ير في السماء فطور وهي مخلوقة؛ فالخالق أشد امتناعًا من خواص الجسمانيات.
والمعنى (٣): اردد طرفك حتى يتضح لك ذلك بالمعاينة، أخبر أوّلًا بأنه لا تفاوت في خلقه، ثم أمر ثانيًا بترديد البصر في ذلك لزيادة التأكيد وحصول الطمأنينة. قال مجاهد والضحاك: الفطور: الشقوق، جمع فطر؛ وهو الشق. وقال قتادة: هل ترى من خلل. وقال السدي: هل ترى من خروق، وأصله: من التفطر والانفطار، وهو التشقق والانشقاق، ومنه قول الشاعر:

بني لَكُمُ بِلَا عَمَدٍ سَمَاءً وزيَّنَهَا فما فِيها فُطُورُ
وقول الآخر:
شَقَقْتُ القَلْبَ ثُم ذَرَرْتُ فِيهِ هَوَاكَ فَلِيْطَ فَالْتَأمَ الفُطُورُ
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon