من السماء، ولم يقولوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له. وقيل: السائل هو نوح عليه السلام، دعا على الكافرين بالعذاب. وقيل: السائل هو الرسول - ﷺ -، استعجل بعذابهم كما يدل عليه قوله فيما بعد: ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (٥)﴾. وسأل أن يأخذهم الله أخذًا شديدًا، ويجعله سنين كسني يوسف فاستجاب الله دعوته، وأن قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ يكون حكاية لسؤالهم المعهود على طريقة قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ ونحوهما، إذ هو المعهود بالوقوع على الكافرين لا ما دعا به النضر. فالسؤال بمعناه، وهو التفتيش والاستفسار؛ لأنّ الكفرة كانوا يسألون النبي - ﷺ - وأصحابه إنكارًا واستهزاءً عن وقوعه وعلى من ينزل، ومتى ينزل. والباء بمعنى (عن) كما في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾؛ أي: فاسأل عنه؛ لأنَّ الحروف العوامل يقوم بعضها مقام بعض باتفاق العلماء.
وعن الإِمام الواحدي (١): أنّ الباء في ﴿بِعَذَابٍ﴾ زائدة للتأكيد كما في قوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾؛ أي: سأل سائل عذابًا واقعًا كقولك: سألته الشيء وسألته عن الشيء.
٢ - ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ إمّا بمعنى (على)؛ أي واقع على الكافرين كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾؛ أي: فعليها، أو بمعنى (الباء)؛ أي: واقع بهم كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: إلّا بأن يعبدوا الله، أو على معناها، أي: نازل لأجل كفرهم. ومتعلق اللام على التقادير الثلاثة هو لفظ ﴿واقع﴾. وجملة قوله: ﴿لَيْسَ لَهُ﴾؛ أي: لذلك العذاب ﴿دَافِعٌ﴾ صفة أخرى لـ ﴿عذاب﴾ أو حال منه أو مستأنفة. والمعنى: أنّه لا يدفع ذلك العذاب الواقع بهم أحد.
٣ - وقوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ إمّا متعلق بـ ﴿وَاقِعٍ﴾؛ أي: واقع من جهته تعالى، أو بـ ﴿دَافِعٌ﴾؛ أي: ليس له دافع من جهته تعالى إذا جاء وقته، وأوجبت الحكمة وقوعه. ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ صفة للجلالة، لأنه من الأسماء المضافة مثل: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ﴾ ونحوهما. والمعارج جمع معرج بفتح الميم هنا بمعنى مصعد، وهو موضع الصعود. والمعنى: ذي المصاعد والدرجات التي تصعد فيها الملائكة؛ أي: خالق المعارج ومالكها. والمراد (٢) بها
(٢) روح البيان.