كرخي. ﴿إِلَيْهِ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي يعرجون إليه من مسقط الأمر، وعلم العروج إليه تعالى مغيب عنا نعتقده ونثبته ولا نكيفه ولا نمثله ولا نؤوله. وهذا المعنى هو الأصح الأسلم الذي عليه السلف، أو إلى عرشه أو إلى مهبط أمره تعالى. أي: يعرجون من مسقط الأمر إلى المحل الذي ينزل إليه أمره تعالى وتتلقاه منه الملائكة الموكلون بالتصرف في العالم. وعبارة الكرخي: إلى مهبط أمره؛ أي: إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سواه فيه حكم.
وقوله: ﴿فِي يَوْمٍ﴾ متعلق (١) بـ ﴿تعرج﴾ كـ ﴿إلى﴾، و ﴿في﴾ بمعنى ﴿إلى﴾، وعبّر عنها بـ ﴿إلى﴾ فرارًا من ثقل تكرار حرفين متحدي المعنى واللفظ، والكلام على حذف مضاف والتقدير: تعرج وتصعد الملائكة المأمورون بالنزول والعروج وكذا الروح من مسقط أمره إليه تعالى مدّة دوام الدنيا إلى مجيء يوم ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ مما يعدّه الناس في الدنيا. وذلك اليوم هو يوم القيامة، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، والقرطبيّ. وهذا هو مقدار يوم القيامة من وقت البعث إلى أن يفصل بين الخلق.
وقيل: يتعلق قوله: ﴿فِي يَوْمٍ﴾ بقوله (٢): ﴿دَافِعٌ﴾؛ أي: ليس له دافع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وقيل: يتعلق بـ ﴿وَاقِعٍ﴾، والمعنى سأل سائل بعذاب واقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وعلى هذين المعنييْن يكون في الكلام تقديم وتأخير؛ أي: ليس له دافع من الله ذي المعارج في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة تعرج الملائكة والروح إليه. وقيل: المعنى تصعد الملائكة من أسفل الأرض إلى عرشه في قدر يوم من أيامكم لو صعده غيرهم قطعه في خمسين ألف سنة، وهذا معنى قول مجاهد. وقيل: متعلق بمحذوف دلَّ عليه قوله: ﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ أي: يقع ذلك العذاب في يوم كان مقداره في علم الله تعالى خمسين ألف سنة ممّا تعدّون، وهو يوم القيامة. وعلى هذا فلا تقديم ولا تأخير، كما في "الجلالين".
وقرأ الجمهور (٣): ﴿تَعْرُجُ﴾ بالتاء الفوقية على التأنيث نظرًا للفظ الملائكة. وقرأ عبد الله، والكسائيّ، وابن مقسم، وزائدة عن الأعمش بالياء التحتانية بالتذكير
(٢) زاد المسير.
(٣) البحر المحيط.