مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} بأنّ ما هناك باعتبار موطن من مواطن يوم القيامة، وما هنا باعتبار جميع المواطن؛ لأن مواطنه متعددة، أو بأن اليوم يختلف باختلاف أحوال الناس، فإنه على الكافر بقدر خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن المطيع بقدر ما بين الظهر والعصر، وعلى المؤمن العاصي بقدر ألف سنة، فراجع ما هنالك. وقد قيل في الجمع: إنه من أسفل العالم إلى العرش خمسون ألف سنة، ومن أهل سماء الدنيا إلى الأرض ألف سنة؛ لأن غلظ كل سماء خمس مئة عام، وما بين أسفل السماء إلى قرار الأرض خمس مئة. فالمعنى: أنّ الملائكة إذا عرجت من أسفل العالم إلى العرش كان مسافة ذلك خمسين ألف سنة، وإن عرجوا من هذه الأرض التي نحن فيها إلى باطن هذه السماء التي هي سماء الدنيا كان مسافة ذلك ألف سنة.
والمعنى: أي تعرج وتصعد في تلك المعارج الملائكة، وجبريل عليه السلام إلى مواضع لو أراد واحد من أهل الدنيا أن يصعد إليها.. لبقي في ذلك الصعود خمسين ألف سنة، لكنّهم يصعدون إليها في الزمن القليل، وليس المراد من ذكر الخمسين تحديد العدد بل المقصد أن مقام القدس الإلهي بعيد المدى عن مقام العباد، فهم في المادة مغموسون، وهناك عوالم ألطف وألطف درجات بعضها فوق بعض، وكل عالم ألطف مما قبله، كلما لطف العالم العلوي كان أشد قوة، وهكذا ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (٤٢)﴾.
٥ - ولما كانوا قد سألوا استعجال العذاب، وكان السؤال على سبيل الاستهزاء والتكذيب، وكانوا قد وعدوا به، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه - ﷺ - بالصبر، فقال: ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمد على استهزائهم ﴿صَبْرًا جَمِيلًا﴾؛ أي: صبرًا لا جزع فيه، ولا شكوى لغير الله، فإن العذاب يقع في هذه المدة المتطاولة التي تعرج فيها الملائكة والروح. وعن الحسن: الصبر الجميل: هو المجاملة في الظاهر، وعن ابن بحر: انتظار الفرج بلا استعجال. وهو متعلق بـ ﴿سَأَلَ﴾؛ لأن السؤال كان عن استهزاء وتعنت وتكذيب بالوحي، وذلك مما يضجره - ﷺ -.
والمعنى: أي إذا عرفت يا محمد تعنّتاتهم في السؤال، وأردت بيان ما هو اللازم لك فأقول لك: اصبر يا محمد على تكذيبهم لك وكفرهم بما جئت به صبرًا جميلًا، لا جزع فيه ولا شكوى إلى غير الله تعالى. وهذا معنى الصبر الجميل.


الصفحة التالية
Icon