وقيل: هو أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى بأنه مصاب. قال ابن زيد وغيره: هذه الآية منسوخة بآية السيف.
٦ - ﴿إنَهُمْ﴾؛ أي: إن أهل مكة ﴿يَرَوْنَهُ﴾؛ أي: يرون العذاب الواقع بهم أو يرون يوم القيامة؛ أي: يزعمونه في رأيهم ﴿بَعِيدًا﴾؛ أي: غير كائن لأنهم لا يؤمنون به؛ أي: يستبعدونه بطريق الإحالة، كما كانوا يقولون: ﴿أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا﴾ الآية، ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾، فلذلك يسألون به وسبب استبعادهم عدم علمهم باستحقاقهم إياه كما يقول المرء لخصمه: هذا بعيد ردًّا لوقوعه وإمكانه.
٧ - ﴿وَنَرَاهُ﴾؛ أي: نعلم ذلك العذاب الواقع بهم ﴿قَرِيبًا﴾؛ أي: كائنًا قريبًا؛ لأنّ ما هو آت قريب لعلمنا باستحقاقهم إيّاه بحسب استعدادهم. وقيل: المعنى: ونراه هينا في قدرتنا غير متعسر ولا متعذر علينا، فالمراد بالبعد هو البعد عن الإمكان، وبالقرب هو القرب منه. والجملة تعليل للأمر بالصبر. وقال سهل رحمه الله تعالى: إنهم يرون المقضيّ عليهم من الموت والبعث والحساب بعيدًا لبعد آمالهم ونراه قريبًا، فإن كل كائن قريب والبعيد ما لا يكون. وفي الحديث: "ما الدنيا فيما مضى وما بقي إلا كثوب شق باثنين، وبقي خيط واحد، ألا وكان ذلك الخيط قد انقطع". قال الشاعر:

هَلِ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا جَمِيْعًا سِوَى ظِلٍّ يَزُوْلُ مَعَ النَّهَارِ
وقال الآخر:
وَمِنْ عَجَبِ الأَيَّامِ أَنَّكَ قَاعِدٌ عَلَى الأَرْضِ فِيْ الدُّنْيَا وَأَنْتَ تَسِيْرُ
فَسَيْرُكَ يَا هَذَا كَسَيْرِ سَفِيْنَةٍ بِقَوْمٍ قُعُوْدٍ وَالْقُلُوْبُ تَطِيْرُ
٨ - والظرف في قوله: ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ﴾ متعلق بمحذوف تقديره: يقع بهم ذلك العذاب يوم تكون السماء ﴿كَالْمُهْلِ﴾ أو متعلق بمحذوف مقدر بعده تقديره: تكون السماء كالمهل يوم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يوصف، والأوّل أولى. والمهل هنا: خبث الحديد، ونحوه مما يذاب على مهل وتدريج، أو درديُّ الزيت لسيلانه على مهل لثخانته. وعن ابن مسعود: كالفضة المذابة في تلونها أو كالقير والقطران في سوادهما.
٩ - وجملة قوله: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩)﴾ معطوفة على ما قبلها؛ أي: تصير


الصفحة التالية
Icon