وقرأ الجمهور (١): ﴿نَزَّاعَةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر ثان لـ ﴿أنّ﴾، أو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هي، أو تكون ﴿لَظَى﴾ بدلًا من الضمير المنصوب، و ﴿نزّاعة﴾ خبر ﴿إن﴾، أو على أنّ ﴿نزّاعة﴾ صفة لـ ﴿لَظَى﴾ على تقدير عدم كونها علما، أو يكون الضمير في ﴿إِنَّهَا﴾ للقصة، ويكون ﴿لَظَى﴾ مبتدأ، و ﴿نزاعة﴾ خبره، والجملة خبر ﴿إن﴾. وقرأ حفص عن عاصم، وأبو عمرو في رواية عنه، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة والزعفرانيّ، وابن مقسم، واليزيدي في اختياره ﴿نَزَّاعَةً﴾ بالنصب على الحال المؤكدة أو المبينة، والعامل فيها ﴿لَظَى﴾، وإن كان علمًا لما فيه من معنى التلظي كما عمل العلم في الظرف في قوله:
أَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ بَعْضَ الأَحَيْانِ
أي: المشهور بعض الأحيان. أو بالنصب على الاختصاص للتهويل، قاله الزمخشري.
١٧ - ﴿تَدْعُو﴾ تلك النار ﴿مَنْ أَدْبَرَ﴾ عن الحق ومعرفته، وهو مقابل أقبل. ومعنى ﴿تَدْعُو﴾: تجذب إلى نفسها، وتحضر، فهو مجاز عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم وتقول لهم: إلى إلى يا كافر، ويا منافق، ويا زنديق فإني مستقرك. أو تدعو الكافرين، والمنافقين بلفظ فصيح بأسمائهم، ثم تلتقطهم كالتقاط الطير الحب. ويجوز أن يخلق الله فيها كلامًا كما يخلقه في جلودهم وأيديهم وأرجلهم وكما خلقه في الشجرة. أو تدعو زبانيتها على حذف المضاف أو على الإسناد المجازي حيث أسند فعل الداعي إلى المدعوّ إليه، من باب إسناد ما هو للحال إلى المحل. وقيل: هو تمثيل وتخييل، ولا دعاء في الحقيقة. ﴿وَتَوَلَّى﴾؛ أي: أعرض عن الطاعة؛ لأن من أعرض يولّي وجهه. وفي "التأويلات النجمية": من أدبر عن التوجه إلى الحق بموافقات الشريعة ومخالفات الطبيعة، وتولى عن الإقبال على الآخرة والإدبار عن الدنيا.
١٨ - ﴿وَجَمَعَ﴾ المال حرصًا وحبًّا للدنيا ﴿فَأَوْعَى﴾؛ أي: فجعله في وعاء وكنزه، ولم يؤد زكاته وحقوقه الواجبة فيه، وتشاغل به عن الدين، وتكبر باقتنائه. وذلك لطول أمله وانعدام شفقته على عباد الله، وإلا ما ادخر بلْ بذل. وفي جمع الجمع مع الإدبار والتولي تنبيه على قباحة البخل وخساسة البخيل، وعلى أنه لا يليق بالمؤمن.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon