تحت التكليف والاختيار، وذلك بعد البلوغ. أو محقّقة لأنها طباثع جبل الإنسان عليها، كما قال المتنبي:

الظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النَّفُوسِ فَإنْ تَجِدْ ذَا عِفّةٍ فِلِعِلَّةٍ لا يَظْلِمُ
ولا يلزم أن لا تفارقه بالمعالجات المذكورة في كتب الأخلاق، فإنها كبرودة الماء ليست من اللوازم المهيئة للوجود، بل إنما حصولها فيه بوضع الله تعالى وخلقه، وهو يزيلها أيضًا بالأسباب التي سببها إذا أراد. قال الراغب: فإن قيل: ما الحكمة في خلق الإنسان على مساوي الأخلاق؟
قلنا: الحكمة في خلق الشهوة أن يمانع نفسه إذا نازعته نحوها، ويحارب شيطانه عند تزيينه المعصية، فيستحق من الله سبحانه مثوبة وجنة انتهى.
والمعنى: أي إنّ الإنسان جُبِلَ على الهلع، فهو قليل الصبر شديد الحرص، فإذا افتقر أو مرض أخذ في الشكاة والجزع، وإذا صار غنيًّا أو سليمًا معافًى منع معروفه، وشحّ بماله، وما ذاك إلا لاشتغاله بأحواله الجسمانية العاجلة، وقد كان من الواجب عليه أن يكون مشغولًا بأحوال الآخرة، فإذا مرض، أو افتقر رضي بما قسم له علمًا بأن الله يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، وإذا وجد المال والصحة صرفهما في طلب السعادة الأخروية.
والخلاصة: أنه إذا أصابه الفقر والحاجة أو المرض أو نحو ذلك.. فهو جزوع؛ أي: كثير الجزع، وإذا أصابه الخير من الغنى والخصب والسعة ونحو ذلك فهو كثير المنع والإمساك.
٢٢ - وقد استثني من هذه الحال من اتصفوا بالصفات الآتية، فقال:
١ - ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢)﴾ استثناء من الإنسان؛ لأنه جنس في معنى الجمع، وهذا الاستثناء باعتبار الاستمرار؛ أي: إنّ المطبوعين على الصفات الرذيلة مستمّرون عليها إلا المصلين؛ أي: المقيمين للصلاة، فإنهم بدلوا تلك الطبائع واتصفوا بأضدادها. وقيل: المراد بهم: أهل التوحيد. يعني: أنهم ليسوا على تلك الصفات من الهلع والجزع والمنع، وأنهم على صفات محمودة وخلال مرضيّة؛ لأن إيمانهم وما تمسكوا به من التوحيد ودين الحق يزجرهم عن الاتصال بتلك الصفات، ويحملهم على الاتصاف بصفات الخير.


الصفحة التالية
Icon