من التقصير حريصًا على القيام بما كلف به من علم وعمل. ونحو الآية قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠)﴾، وقوله: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
٢٨ - ثم ذكر الداعي لهم إلى هذا الخوف، فقال: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)﴾ وهو اعتراض مؤذن بأنه لا ينبغي لأحد أن يأمن عذابه تعالى، وإن بالغ في الطاعة والاجتهاد بل يكون بين الخوف والرجاء؛ لأنه لا يعلم أحد عاقبته، ومِنْ ثم أثر عن السلف الصالح أنهم كانوا كثيري الخوف والوجل، كما يشعر بذلك قول بعضهم: لَيْتَ أمي لم تَلِدْنِي، وقول آخر: ليتني شجرةً تعضد، إلى أشباه ذلك مما يعبر عن شديد الوجل والخشية.
٥ - ٢٩ ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ﴾ فرج الرجل والمرأة سوءاتهما؛ أي: قبلهما. عبّر به عنها رعايةً للأدب في الكلام، وأدب المرء خير من ذهبه، والجار متعلق بقوله: ﴿حَافِظُونَ﴾ من الزنا؛ أي: متعفّفون عن مباشرة الحرام، كافون لها عن الحرام، فإن حفظ الفرج كناية عن العفة.
٣٠ - ﴿إِلَّا عَلَى﴾ بمعنى (من) كما في كتب النحو. ﴿أَزْوَاجِهِمْ﴾ الأربع؛ أي: نسائهم المنكوحات ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ من الجواري من غير حصر في أوقات حلها كالطهر من الحيض والنفاس ومضيّ مدة الاستبراء. وعبر عنهن بـ ﴿ما﴾ إجراءً لهن لمملوكيتهن مجرى غير العقلاء أو لأنوثتهن المنبئة عن القصور. وإيراد ما ملكت الإيمان يدل على أن المراد من الحافظين هنا المذكور، وإن كان الحفظ لازمًا للإناث أيضًا، بل أشد؛ لأنه لازم عليهن على عبيدهن، وإن كانوا مما ملكت أيمانهن ترجيحًا لجانب الذكور في صيانة عرضهم. ﴿فَإِنَّهُمْ﴾؛ أي: فإن الحافظين ﴿غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ على عدم حفظها منهن؛ أي: غير معيوبين شرعًا فلا يؤاخذون بذلك في الدنيا والآخرة. وفيه إشعار بأن من لم يحفظ تكفيه ملامة اللائمين، فكيف العذاب؟.
٣١ - ﴿فَمَنِ ابْتَغَى﴾ وطلب لنفسه الاستمتاع ﴿وَرَاءَ ذَلِكَ﴾؛ أي: وراء ما ذكر من الأزواج والمملوكات. ﴿فَأُولَئِكَ﴾ المبتغون ﴿هُمُ الْعَادُونَ﴾؛ أي: المتجاوزون لحدود الله، الكاملون في العدوان المتناهون فيه؛ لأنّه من عدا عليه إذا تجاوز الحد في الظلم، ودخل فيه حرمة وطْءِ الذكران والبهائم والزنا، وقيل: يدخل فيه الاستمناء أيضًا. روي: أنَّ العرب كانوا يستمنون في الأسفار، فنزلت الآية. وفي


الصفحة التالية
Icon