وحاصل معنى الآيات: ولقد زيّنا السماء القربى من الأرض؛ وهي التي يراها الناس بكواكب مضيئة بالليل كما يزين الناس منازلهم ومساجدهم بالسرج، ولكن أنى لسرج الدنيا أن تكون كسرج الله تعالى.
والخلاصة: أن نظام السموات لا خلل فيه، بل هو أعظم من ذلك؛ فقد زينت سماؤه القريبة منا بمصابيح هي بهجة للناظرين وعبرة للمعتبرين. ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾؛ أي: وهذه الكواكب لا تقف عند حدّ الزينة بل بضوئها يكون ما في الأرض من رزق وحياة وموت بحسب الناموس الذي سنناه والقدر الذي أمضيناه، ويكون في العالم الإنساني، وعالم الجن نفوس تتقاذفها الأهواء، وتتجاذبها اللذات والشهوات التي تتنجم من العناصر المتفاعلة بسبب الأضواء المشعلة النازلة من عالم الكواكب المشرقة في السماء.
وقصارى القول: أنّ هذه الكواكب كما هي زينة الدنيا، وأسبابٌ لرزقِ ذوي الصلاح من الأنبياء والعلماء والحكماء، هي أيضًا سبب لتكون الأرزاق المهيجة لشهوات شياطين الإنس والجن؛ فهذا العالم قد اختلط فيه الضر بالنفع، وأعطي لكلّ ما استعد له، فالنفوس الفاضلة والنفوس الشريرة استمدت من هذه المادة المسخرة المقهورة؛ فصارت سببًا لثواب النفوس الطيّبة وعذاب النفوس الخبيثة من مظاهر الطبيعة الناشئة من الحرارة والضوء.
ويرى بعض المفسرين: أن المراد أن المصابيح التي زيَّن الله بها السماء الدنيا لا تزول عن مكانها ولا يرجم بها؛ بل ينفصل من الكواكب شهاب يقتل الجنّي أو يخبله؛ فالشهاب كقبس يؤخذ من النار والنار باقية لا تنقص.
والظاهر: أن الشياطين هم مسترقوا السمع وأن الرجم حقيقة - يرمون بالشهب - قال قتادة: خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوم للشيطاين، وعلامات يُهتدى بها في البر والبحر، فمن تكلم فيها بغير ذلك فقد تكلم فيما لا يعلم وتعدّى وظلم. ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ أي: وهيأنا لهؤلاء الشياطين في الآخرة عذاب النار الموقدة كفاء ما اكتسبوا من اللذات، وانجذبوا من الشهوات، وغفلوا عن جمال هذه العوالم التي لم يعرفوا منها إلّا شهواتهم، أمّا عقولهم فقد احتجبت عنها.