والخلاصة (١): أنّ السماء قد أضاءت على البر والفاجر؛ فالفجّار حصروا أنفسهم في شهواتهم؛ فلم ينظروا إليها نظر فكرٍ وعقلٍ، بل نظروا إليها باعتبار أن بها تقوم حياتهم، وهؤلاء أعتدنا لهم عذاب السعير في الآخرة؛ لأنَّ هذا يشاكل حالهم في الدنيا؛ إذ هم فيها قد حبسوا أنفسهم في نيران البخل والحقد والطمع؛ فتحولت إلى نار مبصرة يرون عذابها في الآخرة.
وقوله تعالى: ﴿عَذَابَ السَّعِيرِ﴾ والسعير: اسم للدركة الرابعة من دركات النار السبع؛ وهي جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية، ولكن كلًّا من هذه الأسماء يطلق على الآخر؛ فيعبّر عن النار تارةً بالسَّعير، وتارةً بجهنم وأخرى بآخر.
واعلم (٢): أنَّ في كل دركة منها فرقة من فرق العصاة، كعصاة أهل التوحيد والنصارى واليهود والصابئة والمجوس والمشركين والمنافقين، ولم يذكروا الشياطين في واحدة من الدركات السبع، ولعلهم يقسمون على مراتب إضلالهم؛ فيدخل كل قسم منهم مع قسم تبعهُ في إضلاله، فكان سببًا لدخوله في دركة من الدركات الست التحتانية جزاء لضلاله وإضلاله وأذيّةٍ لمن تبعه فيما دعا إليه بمصاحبته ومقارنته، كما قال تعالى: ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ﴾ أي: مع شياطينهم.
٦ - ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ من كفّار بني آدم، أو من كفّار الإنس والجنِّ والشياطين، وقال سعدي المفتي: الأظهر حمله على الكفرة غير الشياطين، كما يشعر به ما بعده، ولئلا يلزم شبه التكرار. ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ أي: الدركة النارية التي تلقاهم بالتجهم والعبوسة، يقال: رجل يهم الوجه: كالح منقبض، وفيه إشارة إلى أنّ عذابه تعالى وانتقامه خارج عن العادة لكونه ليس بسيف ولا سوط ولا عصا ولا نحوها، بل بالنار الخارجة عن الانطفاء، وليس للكافر المعذّب من الخلاص رجاء. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: المرجع لهم. والمخصوص بالذم جهنم. وقال بعضهم: جهنم من الجهنام، وهي بئر بعيدة القعر.
(٢) روح البيان.