وقرأ الجمهور (١): ﴿عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ بالرفع، والوقف على ﴿السَّعِيرِ﴾ تامٌّ. وقرأ الضحاك، والأعرج، وأُسيد بن أسيد المزني، والحسن في رواية هارون عنه بالنصب عطفًا على ﴿عذاب السعير﴾ كما أنّ ﴿للذين﴾ عطف على ﴿لهم﴾؛ أي: وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم، والكلام حينئذٍ من عطف المفرد على المفرد، وعلى هذا فالوقف على ﴿السعير﴾ جائز.
قال في "فتح الرحمن": تضمّنت هذه الآية أنَّ عذاب جهنم للكافرين المخلدين، وقد جاء في الأثر: أنه يمر على جهنم زمن تخفق أبوابها قد أخلتها الشفاعة؛ فالذي في هذه الآية يحمل على جهنم بأسرها؛ أي: جميع الطبقات، والتي في الأثر هي الطبقة العليا؛ لأنها مقر العصاة. انتهى. وهو مراد من قال من الكبار: يأتي زمان تبقى جهنم خالية من أهلها، وهم عصاة الموحدين، ويأتي على جهنم زمان ينبت في قعرها الجرجير، وهي بقلة معروفة.
ومعنى الآية: قد سبق قضاؤنا وجرت سنتنا أن من أشرك بنا، وكذب رسلنا؛ فقد استحق عذاب يهم وبئس المآل والمنقلب.
٧ - ثم ذكر فظائع أحوال هذه النار، فقال: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا﴾ أي: إذا ألقي الذين كفروا في جهنم، وطرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة. وفي (٢) إيراد الإلقاء دون الإدخال إشعار بتحقيرهم وكون جهنم سفلية. ﴿سَمِعُوا﴾؛ أي: سمع الكفّار ﴿لَهَا﴾؛ أي: لجهنم نفسها، وهو متعلق بمحذوف وقع حالًا مِنْ قوله سبحانه: ﴿شَهِيقًا﴾؛ لأنَّه في الأصل صفة، فلما قدمت صارت حالًا؛ أي سمعوها كائنا لها شهيقًا. أي: صوتًا كصوت الحمير الذي هو أنكر الأصوات وأفظعها غضبًا عليهم، وهو حسيسها المنكر الفظيع كما قال تعالى: ﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾.
قالوا: الشهيق في الصدر، والزفير في الحلق، أو شهيق الحمار آخر صوته، والزفير أوّله، والشهيق: رد النفس، والزفير إخراجه. ﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾ أي: والحال أنها تغلي بهم غليان المرجل بما فيها من شدة التّلهب والتسعر؛ فهم لا يزالون صاعدين

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon