وأفعالي وأعمالي وأقوالي وأحوالي انتهى. وهذا وإن كان داخلًا في الأمر بعبادة الله وتقواه إلا أنه خصه بالذكر تأكيدًا في ذلك التكليف ومبالغة في تقريره.
قال بعضهم: وأصله (١): وأطيعوني بالياء، ولم يقل: وأطيعوه بالهاء مع مناسبته لما قبله. يعني: أسند الإطاعة إلى نفسه لما أن إطاعة الرسول إطاعة الله كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. فإذا كانوا مأمورين بإطاعة الرسول، فكان للرسول أن يقول: وأطيعون، وأيضا أنّ الإجابة كانت تقع له في الظاهر.
٤ - ولما كلفهم بهذه الأشياء الثلاثة وعدهم عليها بشيئين، فقال:
١ - ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ جواب الأمر ﴿مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾، أي: بعض ذنوبكم. وهو ما سلف في الجاهلية، فإنّ الإِسلام يجب ما قبله لا ما تأخر عن الإِسلام. فإنه يؤاخذ به، ولا يكون مغفورًا بسبب الإيمان، ولذلك لم يقل: يغفر لكم ذنوبكم بطيّ من التبعيضيّة، فإنه يعم مغفرة جميع الذنوب ما تقدم منها وما تأخّر. وقيل: المراد ببعض الذنوب بعض ما سبق على الإيمان، وهو ما لا يتعلق بحقوف العباد.
أي: إذا فعلتم (٢) ما أمركم به وصدّقتم ما أرسلت به إليكم، غفر لكم ذنوبكم، وسامحكم فيما فرط منكم من الزلّات. وفي هذا وعد لهم بإزالة مضارّ الآخرة عنهم وأمنهم من مخاوفها.
٢ - ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ﴾ بالحفظ من العقوبات المهلكة كالقتل والإغراق والإحراق ونحوها من أسباب الهلاك والاستئصال، وكان اعتقادهم أنَّ من أهلك بسبب من هذه الأسباب لم يمت بأجله، فخاطبهم على المعقول عندهم. فليس يريد أنّ الإيمان يزيد في آجالهم، كذا في بعض التفاسير. ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾؛ أي: معتن مقدر عند الله. والأجل: المدّة المضروبة للشيء. قال في "الإرشاد": وهو الأمد الأقصى الذي قدّره الله لهم بشرط الإيمان والطاعة. وهذا صريح في أنّ لهم أجلًا آخر لا يجاوزنه إن لم يؤمنوا به، وهو المراد بقوله الآتي: ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
(٢) المراغي.