الجمهور (١) ﴿دعائي﴾ بفتح الياء. وقرأ الكوفيّون ويعقوب والدوري عن أبي عمرو بإسكانها.
والمعنى (٢): أي قال نوح عليه السلام: ربّ إنّي أنذرت قومي ولم أترك دعاءهم ليلًا ولا نهارًا امتثالًا لأمرك، وكلّما دعوتهم ليقتربوا من الحق فرّوا منه وحادوا عنه.
٧ - ثم أخبر عن أحوال أخرى لهم، تدل على الفظاظة وجفاء الطبع، فقال: ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ﴾؛ أي: إلى الإيمان. وفي "التأويلات النجمية": كلّما دعوتهم بلسان الأمر مجرّدًا عن انضام الإرادة الموجبة لوقوع المأمور، فإن الأمر إذا كان مجرّدًا عن الإرادة لا يجب أن يقع المأمور به، بخلاف ما إذا كان مقرونًا بالإرادة، فإنه لا بد حينئذٍ من وقوع المأمور به؛ أي: كلّما دعوتهم إلى سبب المغفرة، وهو الإيمان بك والطاعة ﴿لِتَغْفِرَ لَهُمْ﴾ بسببه ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾. لئلا يسمعوا صوتي؛ أي: سدّوا مسامعهم من استماع الدعوة. فالجعل المذكور كناية عن هذا السدّ، ولا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا أصابعهم في ثقب آذانهم قصدًا إلى عدم الاستماع. ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾؛ أي: (٣) غطّوا بها وجوههم؛ لئلا يروني، فإن المبطل يكره رؤية المحق للتضادّ الواقع بينهما. وقيل: جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي، فيكون استغشاء الثياب على هذا زيادة في سدّ الآذان. وقيل: هو كناية عن العداوة، يقال: لبس فلان ثياب العداوة، والاستغشاء مأخوذ من الغشاء، وهو الغطاء. وفي الأصل اشتمال من فوق، ولما كان فيه معنى الستر استعمل بمعناه، وأصل الاستغشاء طلب الغشي؛ أي: الستر، ولكن معنى الطلب هنا ليس بمقصود بل هو بمعنى التغطي والستر، وإنّما جيء بصيغته التي هي السين للمبالغة، والثياب جمع ثوب سمّي به لثوب الغزل؛ أي: رجوعه إلى الحالة التي قدر لها. والمعنى: وبالغوا في التغطّي بثيابهم كأنهم طلبوا منها أن تغشاهم؛ أي: جميع أجزاء بدنهم آلة الإبصار وغيرها، لئلا يبصروه كراهة النظر إليه. ﴿وَأَصَرُّوا﴾؛ أي: أكبّوا وأقاموا واستمروا على الكفر والمعاصي، ولم يقلعوا عنه، ولا تابوا منه. ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾ عن قبول الحق وعن امتثال ما أمرهم به؛ أي: تعظموا

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon