والمعنى (١): والحال أنكم على حالة منافية لما أنتم عليه بالكلية، وهي أنكم تعلمون أنه تعالى خلقكم وقدركم تارات؛ أي: مرّات حالًا بعد حال عناصر ثمّ أغذيةً ثم أخلاطًا ثم نطفًا ثم علقًا ثم مضغًا ثم عظامًا ولحومًا ثم أنشأكم خلقًا آخر. فإنّ التقصير في توقير مَنْ هذه شؤونه في القدرة القاهرة الإحسان التامّ مع العلم بها مما لا يكاد يصدر عن العاقل.
وقال بعضهم (٢): وهي إشارة إلى الأطوار السبعة المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)﴾. فهذه التارات والأحوال السبع المترتّب بعضها على بعض كلّ تارة أشرف مما قبلها، وحال الإنسان فيها أحسن مما تقدمها. وقيل: خلقكم صبيانًا وشبّانًا وشيوخًا. وقيل: طوالًا وقصارًا، وأقوياء وضعفاء مختلفين في الخلق والخلق. وقيل غير ذلك.
والخلاصة (٣): أي ما لكم لا تخافون عظمة الله وقد خلقكم على أطوار مختلفة، فكنتم نطفة في الأرحام ثم علقة ثم مضغة ثم عظامًا ثم كسا عظامكم لحمًا ثم أنشأكم خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. وقد ذكرت هذه الأطوار في سور كثيرة كسورة آل عمران وسورة المؤمنين وغيرهما.
١٥ - وبعد أن ذكر النظر في الأنفس أتبعه بالنظر في العالم العلويّ والسفليّ، فقال: ﴿أَلَمْ تَرَوْا﴾ يا قومي. والاستفهام للتقرير، والرؤية بمعنى العلم، لعلهم علموا ذلك بالسماع من أهله، أو بمعنى الإبصار، والمراد مشاهدة عجائب الصنع الدال على كمال العلم والقدرة. ﴿كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ حال كونها ﴿طِبَاقًا﴾؛ أي: متطابقًا، أي: بعضها فوق بعض ملتزقة الأطراف، كما سبق في سورة المُلك. ومعنى ﴿طِبَاقًا﴾؛ أي: بعضها فوق بعض كلّ سماء مطبّقة على الأخرى كالقباب. قال الحسن: خلق الله سبع سموات على سبع أرضين، بين كلّ سماء وسماء وأرض وأرض خلق وأمر، وقد تقدم تحقيق هذا في قوله: ﴿وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.