وانتصاب (١) ﴿طِبَاقًا﴾ على المصدرية، تقول: طابقه مطابقة وطباقًا أو على الحالية من سبع سموات لتخصّصه بالإضافة؛ أي: ذات طباق، فحذفت ذات وأقام طباقًا مقامه. وأجاز الفرّاء في غير القرآن جرّه على النعت.
١٦ - ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ﴾؛ أي: في السموات السبع. ونسبته (٢) إلى الكل مع أنّه في السماء الدنيا؛ لأنّ كل واحدة من السموات شفّافة لا يحجب ما وراءها، فيرى الكل كأنها سماء واحدة، ومن ضرورة ذلك أن يكون ما في واحدة منها كانّه في الكل على أنه ذهب ابن عباس وابن عمرو ووهب بن منبه رضي الله عنهم إلى أن الشمس والقمر النجوم وجوهها مما يلي السماء وظهورها مما يلي الأرض، وهو الذي يقتضيه لفظ السراج؛ لأنّ ارتفاع نوره في طرف العلو، ولولا ذلك.. لأحرقت جميع ما في الأرض بشدّة حرارتها، فجعلها الله نورًا وسراجًا لأهل الأرض والسموات. فعلى هذا ينبغي أن يكون تقدير ما بعده وجعل الشمس فيهنّ سراجًا على أنّه حذف لدلالة الأول عليه. ﴿نُورًا﴾ أي: منوّرًا وجه الأرض في ظلمة الليل. ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ﴾ هي في السماء الرابعة، وقيل: في الخامسة. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: في الشتاء في الرابعة، وفي الصيف في السابعة. ولو أضاءت من الرابعة أو من السماء الدنيا لم يطق لها شيء، وهذا غريب جدًّا. ﴿سِرَاجًا﴾ من باب (٣) التشبيه البليغ؛ أي: كالسراج والمصباح يزيل ظلمة الليل عند الفجر، ويبصر أهل الدنيا في ضوئها الأرض ويشاهدون الآفاق كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى إبصاره، وليس القمر بهذه المثابة إنما هو نور في الجملة.
والمعنى (٤): أي ألم تروا كيف خلق السموات متطابقة بعضها فوق بعض، وجعل للقمر بروجًا ومنازل، وفاوت نوره فجعله يزداد حينًا حتى يتناهى ثم يبتدىء ينقص حتى يستتر ليدل ذلك على مضيّ المشهور والأعوام، وجعل الشمس كالسراج يزيل ظلمة الليل. ونحو الآية قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ الله ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon