لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)}.
١٧ - ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧)﴾؛ أي: إنباتًا عجيبًا، وأنشأكم منها إنشاء غريبًا بواسطة إنشاء أبيكم آدم منها، أو أنشأ الكل منها من حيث إنّه خلقهم من النطف المتولدة عن النبات المتولد من الأرض، استعير الإنشاء لكونه أدل على الحدوث والتكون من الأرض؛ لأنهم إذا كانوا نباتًا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات.
ووضع (١) ﴿نَبَاتًا﴾ موضوع إنباتًا على أنه مصدر مؤكّد لأنبتكم بحذف الزوائد، ويسمّى اسم مصدر، دل عليه القرينة الآتية، وهي قوله: ﴿وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾. وقال بعضهم: ﴿نَبَاتًا﴾ حال لا مصدر، ونبّه بذلك على أن الإنسان من وجه نبات من حيث إنّ بدأه ونشأته من التراب، وأنه ينمو نموّه، ويلدون ويموتون، وأيديهم وأرجلهم كأفرع النبات، وعروقهم المتشعبة في الجسم والتي يجري فيها الدم، وينتشر في الأطراف تشبه ما في الشجر، وأحوالهم مختلفة كأحوال النبات، فمنه: الحلو المرّ والطيّب والخبيث، واستعدادهم مختلف كاستعداد النبات. فلكلّ امرىء خاصّة كما أنّ لكلّ نوع من النبات خاصّةً، وإن كان له وصف زائد على النبات. والنبات: ما يخرج من الأرض، سواء كان له ساق كالشجر، أو لم يكن له كالنجم، لكن اختص في التعارف بما لا ساق له، بل اختصّ عند العامّة بما يأكله الحيوان.
١٨ - ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا﴾ أي: في الأرض بالدفن عند موتكم. ﴿وَيُخْرِجُكُمْ﴾ منها عند البعث والحشر ﴿إِخْرَاجًا﴾ محقّقًا لا ريب، وذلك لمجازاة الأولياء ومحاسبة الأعداء، ولم يقل: ثم يخرجكم بل ذكر بالواو الجامعة إيَّاها مع ﴿يُعِيدُكُمْ﴾ رمزًا إلى أن الإخراج مع الإعادة في القبر كشيء واحد، لا يجوز أن يكون بعضها محقّق الوقوع دون بعض.
والمعنى: أي ثم يعيدكم في الأرض كما كنتم ترابًا، ويخرجكم متى شاء أحياء كما كنتم بشرًا.

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon