١٩ - ثم أخذ يعدّد النعم التي أعدّها للإنسان في الأرض، وذكر أنّ الأرض مهيّأة مسخّرةً لأمره كتسخير البساط للرجل يتقلّب عليه كما يشاء، ويظهر مواهبه لاستخراج ما في بطنها من المعادن المختلفة وخيراتها المتنوّعة، فقال: ﴿وَاللَّهُ﴾ كرّر الاسم الجليل للتعظيم والتيمّن به والتبرّك. ﴿جَعَلَ لَكُمُ﴾ أي: لمنافعكم ﴿الْأَرْضَ﴾ سبق بيانها في سورة الملك وغيرها. ﴿بِسَاطًا﴾؛ أي: مبسوطة متسعة كالبساط والفراش، تتقلَّبون عليها تقلّبكم على بسطكم في بيوتكم.
قال أبو حيان: ظاهره أن الأرض ليست كروية بل هي مبسوطة. قال سعدي المفتي: وإنما هو في التقلب على ما فسروه انتهى. وقد مرّ مرارًا أن كروية الأرض لا تنافي الحرث والغرس ونحوهما لعظم دائرتها كما يظهر الفرق بين بيضة الحمامة وبيضة النعامة.
٢٠ - ﴿لِتَسْلُكُوا﴾ من السلوك، وهو الدخول لا من السلك، وهو الإدخال. ﴿مِنْهَا﴾؛ أي: من الأرض ﴿سُبُلًا﴾ جمع سبيل؛ أي: طرقًا ﴿فِجَاجًا﴾؛ أي: واسعة. جمع فجّ، وهو الطريق الواسع، فجرد هنا لمعنى الواسع فجعل صفة لـ ﴿سُبُلًا﴾. وقيل: هو المسلك بين الجبلين. و ﴿مِنْ﴾ متعلقة بما قبلها لما فيه من معنى الاتخاذ؛ أي: لتسلكوا متخذّين من الأرض سبلا، فتصرفوا فيها ذهابًا وإيابًا أو بمضمر هو حال من ﴿سُبُلًا﴾؛ أي: سبلًا كائنة من الأرض، ولو تأخّر.. لكان صفة لها، ثم جعلها بساطًا للسلوك المذكور لا ينافي غيره من الوجوه كالنوم والاستراحة والحرث والغرس ونحوها، ثم السلوك إمّا جسماني بالحركة الأينية الموصلة إلى المقصد، وإما روحاني بالحركة الكيفية الموصلة إلى المقصود، ولكل منهما فوائد جليلة كطلب العلم والحج والتجارة وغيرها وكتحصيل المحبة والمعرفة والإنس ونحوها.
والمعنى: أي والله بسط لكم الأرض، ومهدها، وثبتها بالجبال الراسيات، ثم بين حكمة هذا فقال: ﴿لِتَسْلُكُوا مِنْهَا﴾؛ أي: لتستقروا عليها، وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها المختلفة. وقصارى ما سلف: أن نوحًا عليه السلام أمر قومه بالنظر في علوم الأنفس والآفاق من معدن ونبات وحيوان وإنسان وسماء وأرض وشموس وأقمار.
٢١ - ﴿قَالَ نُوحٌ﴾ أعيد لفظ الحكاية لطول العهد بحكاية مناجاته لربه. فهو بدل من