﴿قَالَ﴾ الأوّل، ولذا ترك العطف. وفي "فتح الرحمن": قاله هنا بلا واو، وقاله فيما بعد بواو، لأنَّ الأول استئناف والثاني معطوف عليه انتهى؛ أي: قال مناجيًا له تعالى: ﴿رَبِّ﴾؛ أي: يا ربي ويا معبودي ﴿إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾؛ أي: داموا على عصياني ومخالفتي فيما أمرتهم به مع ما بالغت في إرشادهم بالعظة والتذكير. ﴿وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا﴾ أي: استمروا على اتباع رؤسائهم الذين أبطرتهم أموالهم وغرتهم أولادهم، وصارت تلك الأموال والأولاد سببًا لزيادة خسارتهم في الآخرة، فصاروا أسوة لهم في الخسار. وفي وصفهم بذلك إشعارٌ بأنهم إنما اتبعوهم لوجاهتهم الحاصلة لهم بسبب الأموال والأولاد، لما شاهدوا من شبهة مصححة للاتباع، كما قالت قريش: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾، فجعلوا الغنى سببًا مصححًا للاتباع.
ودل الكلام (١) على أن ازدياد المال والولد كثيرًا ما يكون سببًا للهلاك الروحانيّ، ويورث الضلال في الدين أوّلًا والإضلال عن اليقين ثانيًا. قال ابن الشيخ: المفهوم من نظم الآية أنّ أموالهم وأولادهم عين الخسار، وأن ازديادهما إنما ازدياد خسارهم، والأمر في الحقيقة كذلك، فإنهما وإن كانا من جملة المنافع المؤدّية إلى السعادة الأبدية بالشكر عليهما وصرفهما إلى وجوه الخير، إلا أنهما إذا أديا إلى البطر والاغترار وكفران حق المنعم بهما، وصارا وسيلتين إلى العذاب المؤبّد في الآخرة صارا كأنّهما محض الخسار؛ لأن الدنيا في جنب الآخرة كالعدم، فمن انتفع بهما في الدنيا خسر سعادة الآخرة، وصار كمن أكل لقمةً مسمومةً من الحلوى، فهلك، فإنّ تلك اللقمة في حقه هلاك محض؛ إذ لا عبرة لانتفاعه بها في جنب ما أدّت إليه.
٢٢ - ﴿وَمَكَرُوا﴾ عطف على صلة ﴿مَنْ﴾؛ لأنّ المكر الكبار يليق بكبرائهم، والجمع باعتبار معناها. ﴿مَكْرًا كُبَّارًا﴾؛ أي: مكرًا كبيرًا عظيمًا في الغاية. والمكر: الحيلة الخفيّة. وقرىء ﴿كُبَّارًا﴾ بالتخفيف كما سيأتي، وهو أبلغ من الكبير نحو: طوّال وطوال وطويل. ومعنى مكرهم الكبار: احتيالهم في منع الناس عن الدين وتحريشهم لهم على أذيّة نوح عليه السلام. قال الشيخ: لمّا كان التوحيد أعظم المراتب كان