والأحكام الرسومية الخلقية: ﴿مَا نَزَّلَ اللَّهُ﴾ على أحد ﴿مِنْ شَيْءٍ﴾ من الأشياء فضلًا عن تنزيل الآيات عليكم. وقال بعضهم: ما نزل الله من كتاب ولا رسول. ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾؛ أي: ما أنتم يا معشر الرسل في ادّعاء أن الله تعالى نزل عليكم آيات تنذروننا بما فيها ﴿إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾؛ أي: بعيد عن الحق والصواب، وجمع ضمير الخطاب مع أن مخاطب كل فوج نذيره لتغليبه على أمثاله، مبالغة في التكذيب وتماديًا في التضليل، كما ينبىء عنه تعميم المنزل مع ترك ذكر المنزل عليه؛ فإنه ملوح بعمومه حتمًا.
والمعنى (١): أنه قال كل فوج من تلك الأفواج حاكيًا لخزنة جهنم ما قاله لمن أرسل إليه: ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنتم أيها الرسل فيما تدعون أنَّ الله نزل عليكم آيات تنذروننا بها إلا في ذهاب عن الحق وبعد عن الصواب كبير لا يقادر قدره.
١٠ - ثم حكى عنهم مقالة أخرى قالوها بعد تلك المقالة؛ فقال: ﴿وَقَالُوا﴾ أيضًا معترفين بأنهم لم يكونوا ممن يسمع أو يعقل: ﴿لَوْ كُنَّا﴾ في الدنيا ﴿نَسْمَعُ﴾ كلامًا ﴿أَوْ نَعْقِلُ﴾ شيئًا، وفيه دليل على أن العقل حجة التوحيد كالسمع، وقدم السمع لأنه لا بد أولًا من سماع ثم تعقل المسموع؛ أي: لو كنا نسمع ما خاطبنا به الرسل أو نعقل شيئًا من ذلك ﴿مَا كُنَّا﴾ اليوم ﴿فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾؛ أي: في عداد أهل النار الموقدة وأتباعهم، ومن جملة من يعذب بالسعير، وهم الشياطين لقوله تعالى: ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾. وكأن الخزنة قالوا لهم في تضاعيف التوبيخ ألم تسمعوا آيات ربكم من ألسنة الرسل، ولم تعقلوا معانيها حتى لا تكذّبوا بها فأجابوا بذلك. وفي "التأويلات النجمية": لو كنا نسمع بأسماع قلوبنا أو نعقل بعقول أرواحنا.. ما كنّا اليوم في أصحاب السعير، ولكنّا سمعنا بأسماع مختومة وعقول معلولة مقفولة.
والمعنى (٢): وقالوا: لو كانت لنا عقول ننتفع بها، أو آذان تسمع ما أنزل الله من الحقّ.. ما كنّا على ما نحن عليه من الكفر بالله والاغترار باللذات التي كنا منهمكين بها في دنيانا؛ فبُؤْنا بسخط ربنا وغضبه، وحل بنا عقابه الأليم، وقد نفوا عن أنفسهم السماع والعقل تنزيلًا لما عندهم منهما منزلة العدم حين لم ينتفعوا بهما.
(٢) المراغي.