حجارة تأويه الجن، فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي نحو الكعبة، وعليه جبة صوف فيها طراوة؛ فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته، فسلمت عليه، فرّد عليّ السلام وقال: يا سهل: إنّ الأبدان لا تخلق الثياب، وإنما تخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت، وإنَّ هذه الجبة عليّ من سبع مئة سنة، لقيت فيها عيسى ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام، فآمنت بهما. فقلت له: ومن أنت؟ قال: من الذين نزلت فيهم ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ...﴾ الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن كردم عن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة، وذلك أوَّل ما ذكر رسول الله - ﷺ -، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب، فأخذ حملًا من الغنم فوثب الراعي، فقال: عامر الوادي جارك، فنادى مناد "لا نراه يا سرحان"، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم، فأنزل الله على رسوله بمكة ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ...﴾ الآية.
وأخرج (١) ابن سعد عن أبي رجاء العطارديّ من بني تميم قال: بعث رسول الله - ﷺ -، وقد رعيت على أهلي وكفيت مهنتهم، فلما بعث النبي - ﷺ - خرجنا هرابًا، فأتينا على فلاة من الأرض، وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا: إنا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة، فقلنا ذلك، فقيل لنا: إنما سبيل هذا الرجل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، من أقر بها أمن على دمه وماله، فرجعنا فدخلنا في الإِسلام، قال أبو رجاء: إني لأرى هذه الآية نزلت فيَّ وفي أصحابي: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)﴾ الآية.
وروي عن مقاتل في قوله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا....﴾ قال: نزلت في كفّار قريش حين منع المطر سبع سنين.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: قالت الجن للنبيّ - ﷺ -: كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناؤون عنك؟ أو كيف نشهد الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت

(١) لباب النقول.


الصفحة التالية
Icon