جنة القرب وقربهم من جهنم البعد.
والمعنى (١): فاعترفوا بما كان منهم من تكذيب الرسل، وأنى يفيدهم ذلك؛ فبعدًا لهم من رحمتي جحدوا أو اعترفوا؛ فهو ليس بمغن عنهم شيئًا؛ فقد وقعت الواقعة وحلَّ بهم من بأسي ما ليس له من دافع. روى أحمد عن أبي البحتري الطائي قال: أخبرني من سمعه من رسول الله - ﷺ - أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" وجاء في حديث آخر: "لا يدخل أحدٌ النار إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة".
١٢ - ولما فرغ سبحانه وتعالى من ذكر أحوال أهل النار ذكر أهل الجنّة، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾؛ أي: يخافون عذابه، وهو عذاب يوم القيامة ويوم الموت، ويوم القبر؟ خوفًا وراء عيونهم حال كون ذلك العذاب غائبًا عنهم ولم يعاينوه بعد على أن ﴿بِالْغَيْبِ﴾ حالٌ من المضاف المقدر أو غائبين عنه تعالى؛ أي: عن معاينة عذابه وأحكام الآخرة، أو عن أعين الناس لأنهم ليسوا كالمنافقين الذين إذا لقوا المؤمنين قالوا: ﴿آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ على أنه حال من الفاعل، وهو ضمير ﴿يَخْشَونَ﴾، أو خائفين بما خفي منهم، وهو قلوبهم، فالباء للاستعانة متعلقة بـ ﴿يَخْشَونَ﴾، والألف واللام اسم موصولٌ.
وعبارة الشوكاني: قوله: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ إما حال من الفاعل أو من المفعول؛ أي: غائبين عنه أو غائبًا عنهم.
والمعنى: أنهم يخشون عذابهم ولم يروه فيؤمنون به خوفًا من عذابه، ويجوز أن يكون المعنى: يخشون ربهم حال كونهم غائبين عن أعين الناس، وذلك في خلواتهم، أو المراد بالغيب كون العذاب غائبًا عنهم؛ لأنهم في الدنيا، وهو إنما يكون يوم القيامة، فتكون الباء على هذا سببية. انتهى.
﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة تشمل جميع ذنوبهم، ولما كان السرور إنَّما يتم بالإعطاء قال: ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾؛ أي: ثواب عظيم في الآخرة فضلًا منه تعالى، يكون لهم به