القسم الأول: ليس معه واو العطف، فهذا لا خلاف بين القرّاء في فتحه أو كسره على حسب ما جاءت به التلاوة واقتضته العربية كقوله: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ﴾ لا خلاف في فتحه لوقوعه موضع المصدر، كقوله: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا﴾ لا خلاف في كسره؛ لأنه محكي بالقول.
والقسم الثاني: أن يقترن بالواو وهو أربع عشرة كلمة: إحداها لا خلاف في فتحها، وهي قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾. والثانية: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ﴾ كسرها ابن عامر وأبو بكر، وفتحها الباقون. والاثنتا عشرة الباقية فتحها الأخوان، وابن عامر وحفص، وكسرها الباقون كما تقدم تحرير ذلك كله. والاثنتا عشرة هي قوله: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ﴾، ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ﴾، ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ﴾، ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا﴾، ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ﴾، ﴿وَأَنَّا كُنَّا﴾، ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي﴾، ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُون﴾، ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا﴾، ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ﴾ اهـ اسمين.
وقرأ الجمهور (١): ﴿جَدُّ رَبِّنَا﴾ بفتح الجيم ورفع الدال مضافًا إلى ﴿ربنا﴾؛ أي: عظمته، قاله الجمهور، وقال أنس والحسن: غناه، وقال مجاهد: ذكره، وقال ابن عباس: قدره وأمره. وقرأ عكرمة ﴿جد﴾ منونًا، ﴿ربنا﴾ مرفوع الباء كأنه قال: عظيم هو ربنا فربنا بدل، والجد في اللغة العظيم. وقرأ حميد بن قيس ﴿جدّ﴾ بضم الجيم مضافًا، ومعناه: العظيم، حكاه سيبويه، وهو من الإضافة إلى الموصوف.
والمعنى: تعالى ربنا العظيم. وقرأ عكرمة ﴿جدّا ربّنا﴾ بفتح الجيم والدال منونًا ورفع ﴿ربنا﴾، وانتصب ﴿جدّا﴾ على التمييز المحول من الفاعل، أصله: تعالى جدّ ربنا. وقرأ قتادة وعكرمة أيضًا ﴿جدّا﴾ بكسر الجيم والتنوين نصبًا ﴿ربّنا﴾ رفعًا. قال ابن عطية: نصب ﴿جدّا﴾ على الحال، ومعناه: تعالى حقيقة ومتمكنًا، وقال غيره: هو صفة لمصدر محذوف تقديره: تعاليًا جدًّا، و ﴿ربنا﴾ مرفوع بـ ﴿تعالى﴾. وقرأ ابن السميفع ﴿جَدَى ربنا﴾؛ أي: جدواه ونفعه.
وقوله: ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً...﴾ أي: زوجة ﴿وَلَا وَلَدًا﴾؛ أي: ابنًا ولا بنتًا. بيان (٢) لحكم (تعالى جده)، كأنه قيل: ما الذي تعالى عنه؟ فقيل: ما اتخذ؛ أي:

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon