والإغضاء وترك المكافأة. ثم أمر رسوله أن يترك أمر المشركين إليه، فهو الكفيل بمجازاتهم. ثم ذكر أنه سيعذبهم بالأنكال والنار المستعرة والطعام ذي الغصة في يوم القيامة حتى تكون الجبال كثيبا مهيلًا.
وبعد أن خوفهم عذاب يوم القيامة خوفهم أحوال الدنيا، وأنه سيكون لهم فيها مثل ما كان للأمم المكذّبة قبلهم كقوم فرعون حين عصوا موسى، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر. ثم عاد إلى تخويفهم بالآخرة مرةً أخر، وأبان لهم أن أهوالها بلغت حدًّا تشيب من هوله الولدان، وأن السماء تنشق منه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا...﴾ إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما بدأ السورة بشرح أحوال السعداء، وبين معاملتهم للمولى، ثم معاملتهم للخلق، ثم هدد الأشقياء بأنواع من العذاب في الآخرة، ثم توعدهم بعذاب الدنيا، وبعدئذٍ وصف شدة يوم القيامة. ختم السورة بتذكيرات مشتملة على أنواع الهداية والإرشاد، فمن شاء أن يسلك سبيل ربه بالطاعة والبعد عن المعصية، فليفعل. ثم أخبره بما يقوم به هو والمؤمنون للعبادة من ساعات الليل ثلثيه أو نصفه أو ثلثه. ثم خفف ذلك عنهم للأعذار التي تحيط بهم من مرض أو سفر للتجارة ونحوها أو جهاد للعدوّ، فليصلوا قدر ما يستطيعون، وليؤتوا زكاة أموالهم، ولسيتغفروا الله في جميع أحوالهم، فهو الغفور الرحيم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)...﴾ الآيات، سبب نزولها: ما (١) أخرجه البزار والطبراني بسند واهٍ عن جابر قال: اجتمعت قريش في دار الندوة فقالت: سموا هذا الرجل اسمًا يصدر الناس عنه، قالوا: كاهن، قالوا: ليس بكاهن، قالوا: مجنون، قالوا: ليس بمجنون، قالوا: ساحر، قالوا: ليس بساحر، فبلغ ذلك النبيّ - ﷺ -، فتزمل في ثيابه فتدثر فيها، فأتاه جبريل فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)﴾ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾.