الشيخان. وعن جابر: "خرج علينا رسول الله - ﷺ - ونحن نقرأ القرآن، وفينا العربي والعجمي فقال: "اقرؤوا وكلٌ حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح - السهم - يتعجلونه ولا يتأجلونه، لا يجاوز تراقيهم". رواه أبو داوُد.
قال في "فتح البيان": (١) والمقصود من الترتيل إنّما هو حضور القلب عند القراءة، لا مجرد إخراج الحروف من الحلقوم بتعويج الوجه والفم وألحان الغناء، كما يعتاده قرّاء هذا الزمان من أهل مصر وغيرها في مكة المكرّمة، وغيرها، بل هو بدعة أحدثها البطالون الأكالون والحمقى الجاهلون بالشرائع، وأدلتها الصادقة، وليس هذا أول قارورة كسرت في الإسلام اهـ.
والحكمة في ترتيل القرآن: التمكن من التأمل في حقائق الآيات ودقائقها، فعند الوصول إلى ذكر الله يستشعر عظمته وجلاله، وعند الوصول إلى الوعد والوعيد يحصل الرجاء والخوف ويستنير القلب بنور الله. فإن الإسراع في القراءة يدل على عدم الوقوف على المعاني، والنفس تبتهج بذكر الأمور الروحية، ومن سرّ بشيء أحب ذكره كما أن من أحب شيئًا لا يحب أن يمر عليه مسرعًا.
وكان - ﷺ - مجوّدًا للقرآن كما أنزل (٢)، وتجويده تحسين ألفاظه بإخراج الحروف من مخارجها وإعطاء حقوقها من صفاتها، كالجهر والهمس واللين ونحوها، وذلك بغير تكلف، وهو ارتكاب المشقّة في قراءته بالزيادة على أداء مخرجه، والمبالغة في بيان صفته، فينبغي أن يتحفظ في الترتيل عن التمطيط، وهو التجاوز عن الحد، وفي الحد. عن الإدماج والتخليط بأن تكون قراءته بحال كأنه يلف بعض الحروف والكلمات في بعض آخر لزيادة السرعة.
واعلم: أن التجويد على ثلاث مراتب: ترتيل وحدر وتدوير:
أما الترتيل: فهو تؤدة وتأن وتمهل، وهو مختار ورش وعاصم وحمزة، ويؤيده قوله - ﷺ -: "من قرأ القرآن" أي ختمة "أقل من ثلاث" أي في أقل من ثلاث ليالٍ "لم يفهمه". وفي "قوت القلوب": أفضل القراءة الترتيل؛ لأن فيه التدبر والتفكر، وأفضل الترتيل والتدبر للقرآن ما كان في صلاة.
(٢) روح البيان.