وأمنة من النار، فنزلت: ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (٥٢)﴾.
وروي: أن أبا جهل وجماعة من قريش قالوا: يا محمد لن نؤمن بك حتى تأتي كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه من رب العالمين إلى فلان بن فلان، ونؤمر فيه باتباعك.
التفسير وأوجه القراءة
١ - قال الواحدي: قال المفسّرون: لما بدىء رسول الله - ﷺ - بالوحي أتاه جبريل، فرآه رسول الله - ﷺ - على كرسيّ بين السماء والأرض كالنور المتلألىء، ففزع ووقع مغشيًا عليه، فلمّا أفاق دخل على خديجة ودعا بماء، فصبه عليه وقال: "دثّروني دثّروني، فدثّروه بقطيفة". فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾؛ أي: يا أيها المتلفف بالدثار، وهو ما يلبس فوق الشعار الذي يلي الجسد؛ لأنه تدثّر فوق شعاره بقطيفة.
قرأ الجمهور (١) بتشديد الدال والثاء، أصله: المتدثّر فأدغم التاء في الدال. وقرأ أبيّ ﴿المتدثّر﴾ على الأصل. وقرأ عكرمة بتخفيف الدال، كما قرأ بتخفيف الزاي في المزمل، أي: الذي دثر نفسه. وعن عكرمة أيضًا فتح الثاء المثلثة اسم مفعول، قال عكرمة: والمعنى: يا أيها المدّثّر بالنبوة وأثقالها. قال ابن العربيّ: وهذا مجاز بعيد؛ لأنّه لم يكن نبيًّا إذ ذاك.
أي: يا أيها المتلفّف المتغشّي بدثاره
٢ - ﴿قُمْ﴾ من مضجعك ﴿فَأَنْذِرْ﴾؛ أي: خوّف الناس كافّةً من عذاب الله ووقائعه إن لم يؤمنوا، أو خوف أهل مكة من عذاب الله إن لم يسلموا. وقيل: قم قيام عزم وتصميم، وأعلم الناس بعذاب الله وانتقامه إن لم يوحّدوه ويصدّقوك؛ لأنّه - ﷺ - مرسل إلى الناس كافة، فلم تكن ملة من الملل إلا وقد بلغتها دعوته وقرعها إنذاره. وأفرد (٢) الإنذار بالذكر مع أنه أرسل بشيرًا أيضًا؛ لأن التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة، وكان الناس وقتئذٍ عاصين مستحقّين للتخويف، فكان أوّل الأمر بالإنذار.
٣ - ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)﴾؛ أي: وخصّص ربك بالتكبير، وهو وصفه تعالى بالكبرياء اعتقادًا وقولًا وعظمةً عمّا يقول فيه عبدة الأوثان وسائر الظالمين. وروي: أنّه لمّا

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon