هي الملومة المذمومة، فهي صفة ذمّ. وبهذا احتج من نفى أن يكون قسمًا، إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به. وقال مقاتل: هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله، والأول أولى.
قال الفاشاني (١): جمع بين القيامة والنفس اللوامة في القسم بهما تعظيمًا لشأنهما وتناسبًا بينهما؛ إذ النفس اللوامة هي المصدّقة بها المقرة بوقوعها المهيئة لأسبابها؛ لأنها تلوم نفسها أبدًا في التقصير والتقاعد عن الخيرات، وإن أحسنت لحرصها على الزيادة في الخير وأعمال البر تيقنا بالجزاء، فكيف بها إن أخطات وفرطت وبدرت من بادرة غفلة ونسيانًا نتهى. هذا، ودع عنك القيل والقال هنا.
٣ - وجواب القسم محذوف دل عليه قوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣)﴾ وهو ليبعثن.
والمعنى: أقسم لك يا محمد بقيام القيامة ولوم النفس اللوامة ليبعثن الخلائق للمجازاة على أعمالهم. والاستفهام في قوله: ﴿أَيَحْسَبُ﴾ لإنكار الحساب الواقع من الإنسان واستقباحه. والحسبان: الظن، والمراد بالإنسان الجنس، والإسناد إلى الكل بحسب البعض كثير. وقيل: الكافر. و ﴿أنّ﴾ مخففة من الثقيلة، وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف. والعظام: جمع عظم، وهو قصب الحيوان الذي عليه اللحم. وخص العظام بالذكر؛ لأنها قالب النفس لا يستوي الخلق إلا باستوائها.
والمعنى (٢): أيحسب الإنسان الذي ينكر البعث أن الشأن والحال لن نجمع عظامه البالية، فإن ذلك حسبان باطل، فإنّا نجمعها بعد تشتتها ورجوعها رميمًا ورفاتًا مختلطًا بالتراب، وبعدما نسفتها الرياح وطيرتها في أقطار الأرض وألقتها في البحار لمجازاته بما عمل في الدنيا. وقرأ الجمهور (٣) ﴿نَجْمَعَ﴾ بالنون، ﴿عِظَامَهُ﴾ بالنصب. وقرأ قتادة بالتاء مبنيًا للمفعول، و ﴿عظامه﴾ بالرفع.
٤ - وقوله: ﴿بَلَى﴾ إيجاب لما ذكر بعد النفي السابق بقوله: ﴿لن نجمع﴾ وهو الجمع؛ أي: نجمعها حال كوننا ﴿قَادِرِينَ﴾ فهو حال مؤكدة من الضمير المستكن في ﴿نَجْمَعَ﴾ المقدر بعد بلى. ﴿عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ﴾ ونركب ﴿بَنَانَهُ﴾؛ أي: أصابعه ومفاصله؛
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.