عمره، وليس في نيّته أن يرجع عن ذنب يرتكبه. قال مجاهد، والحسن، وعكرمة، والسدّي، وسعيد بن جبير: يقول: سوف أتوب، ولا يتوب حتى يأتيه الموت، وهو على أشر أحواله. وقال الضحاك: هو الأمل، يقول: سوف أعيش وأصيب من الدنيا، ولا يذكر الموت. واللام في قوله: ﴿لِيَفْجُرَ﴾ للتأكيد مثل قوله: ﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ في أنصحكم. و ﴿أن يفجر﴾ مفعول ﴿يُرِيدُ﴾. والفجور أصله: الميل عن الحق، فيصدق على كل من مال عن الحق بقول أو فعل، ومنه: قول الأعرابي في حق عمر:

أَقْسَمَ بِاللهِ أَبُوْ حَفْصٍ عُمَرْ مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ
فاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ
وحاصل معنى قوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ...﴾ إلخ؛ أي: (١) أيظن ابن آدم أنه لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها بلى نحن قادرون على ذلك، وأعظم منه، فنحن قادرون على أن نسوي بنانه وأطراف يديه ورجليه، ونجعلهما شيئًا واحدًا كخف البعير وحافر الحمار، فلا يستطيع أن يعمل بها شيئًا مما يعمله بأصابعه المفرّقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال التي تحتاج إلى القبض والبسط والتأني في عمل ما يراد من الشؤون كالغزل والنسج والضرب على الأوتار والعيدان إلى نحو أولئك..
والخلاصة: إنا لقادرون على جمع العظام وتأليفها وإعادتها إلى مثل التركيب الأول بعد تفرقها وصيرورتها عظامًا ورفاتًا في بطون البحار وفسيح القفار، وحيثما كانت، وعلى أن نسوي أطراف يديه ورجليه ونجعلهما شيئًا واحدًا، فيكون كالجمل والحمار ونحوهما، فيأكل كما تأكل ويشرب كما تشرب. وفي ذلك خسران كبير له، وتشويه لخلقه، وإفساد لوظيفته التي أعد لها في الحياة. ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥)﴾؛ أي: لا يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه، لكنه يريد أن يمضي قدمًا في المعاصي لا يثنيه عنها شيء ولا يتوب منها، بل يسّوف بالتوبة، فيقول: أعمل ثم أتوب بعد ذلك.
والخلاصة: أنه انتقل من إنكار الحسبان إلى الإخبار عن حال الإنسان
(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon