١٢ - ثم كشف عن حقيقة الحال، وبينها بقوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢)﴾ أي (١): إلى ربك وحده استقرار العباد ورجوعهم ومصيرهم يوم إذ تقع تلك الأمور الهائلة. أي: لا يتوجهون إلا إلى حيث أمرهم الله تعالى من مقام حسابه، أو إلى حكمه استقرار أمرهم، فإن الملك يومئذٍ لله تعالى، فهو كقوله: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾؛ أي: إلى حيث لا حاكم ولا مالك سواه تعالى. أو إلى مشيئته موضع قرارهم يدخل من يشاء الجنة ومن يشاء النار، فيكون ﴿الْمُسْتَقَرُّ﴾ اسم مكان، وهو مرفوع بالابتداء، ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ خبره، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ معمول ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾ ولا يجوز أن يكون معمول ﴿الْمُسْتَقَرُّ﴾؛ لأنه إن كان مصدرًا بمعنى الاستقرار.. فلا يتقدم معموله عليه، وإن كان اسم مكان.. فلا عمل له البتة، وكذا الكلام في قوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (٣٠)﴾ ونحوه.
والخلاصة: أي إلى ربك مرجعك في جنة أو نار، وأمر ذلك مفوض إلى مشيئته فمن شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار.
١٣ - ثم ذكر أن مآله رهن بما عمل، فقال: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ﴾ أي (٢): يخبر كل امرىء برًّا كان أو فاجرًا عند وزن الأعمال وحال العرض والمحاسبة. والمخبر هو الله سبحانه أو الملك بامره أو كتابه بنشره. ﴿بِمَا قَدَّمَ﴾؛ أي: بما عمل من عمل خيرًا كان أو شرًّا، فيثاب بالأول، ويعاقب بالثاني. ﴿وَ﴾ بما ﴿أَخَّرَ﴾؛ أي: وبما لم يعمل خيرًا كان أو شرًّا، فيعاقب بالأول ويثاب بالثاني. أو بما قدم من حسنة أو سيّئة، وبما أخر من حسنة أو سيئة، فعمل بها بعده. أو بما قدم من مال تصدق به في حياته، وبما أخر فخلفه، أو وقفه أو أوصى به أو بأوَّل عمله وآخره.
والمعنى: أي يخبر الإنسان حين العرض والحساب ووزن الأعمال بجميع أعماله قديمها وحديثها أولها وآخرها صغيرها وكبيرها، كما قال: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
قال القشيّري: وهذا الإنباء يكون يوم القيامة عند وزن الأعمال. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "سَبْع يَجْرِي أجْرها للعبد بعد موته وهو في قبره:
(٢) روح البيان.