رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. وقيل: المعاذير جمع معذرة على غير قياس كملاقيح ومذاكير جمع لقحة وذكرٍ.
والمعنى (١): بل الإنسان حجة بينة على نفسه، فلا يحتاج إلى أن ينبئه غيره؛ لأنّ نفسه شاهدة على ما فعل، فسمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه شاهدة عليه، وسيحاسب عليه مهما أتى بالمعاذير، وجادل عنها كما قال سبحانه: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (١٤)﴾. وقال الفراء في الآية: ﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤)﴾، وأنشد:
كَأَنَّ عَلَى ذِيْ العَقْلِ عَيْنًا بَصِيْرَة | بِمَجْلِسِهِ أَوْ مَنْظَرٍ هُوَ نَاظِرُهْ |
يُحَاذِرُ حَتَّى يَحْسَبُ النَّاسَ كُلَّهُمْ | مِنَ الْخَوْفِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَرَائِرُهُ |
١ - أن يحفظه له.
٢ - أن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه.
٣ - أن يبينه ويفسره له. وقد أشار إلى الأول بقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ﴾؛ أي: بالقرآن ﴿لِسَانَكَ﴾ ما دام جبريل يقرأ ويلقي عليك ﴿لِتَعْجَلَ بِهِ﴾؛ أي: بأخذه؛ أي: لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت.
١٧ - ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ في صدرك بحكم الوعد، بحيث لا يخفى عليك شيء من معانيه. ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ بتقدير المضاف؛ أي: إثبات قراءته بلسانك بحيث تقرأه متى شئت. فالقرآن هنا مصدر بمعنى القراءة كالغفران بمعنى المغفرة مضاف إلى مفعوله. والقراءة ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، وليس يقال ذلك لكل جمع، لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم. قال الواسطي: جمعه في السر، وقرآنه في العلانية.
والمعنى: أي لا تحرك أيها الرسول الكريم بالقرآن لسانك وشفتيك لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت منك، فإن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك. وقد كان النبي - ﷺ - إذا نزل عليه الوحي يحرك به لسانه وشفتيه، فيشتد عليه ويعرف ذلك
(١) المراغي.