هذه الآيات وما قبلها، ولو كان التركيب من الله تعالى ما كان الأمر كذلك. ثمّ ذكر الرازي مناسبات على زعمه يوقف عليها في كتابه، ويظهر أن المناسبة بين هذه الآية وما قبلها أنه تعالى لما ذكر منكر القيامة والبعث معرضًا عن آيات الله تعالى ومعجزاته، وأنه قاصر شهواته على الفجور غير مكترث بما يصدر منه ذكر حال من يثابر على تعلم آيات الله وحفظها وتلقفها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها رجاء قبوله إياها، فظهر بذلك تباين من يرغب في تحصيل آيات الله، ومن يرغب عنها، وبضدها تتميز الأشياء. ولما كان - ﷺ - لمثابرته على ذلك كان يبادر للتحفظ بتحريك لسانه أخبره تعالى بأنّه يجمعه له ويوضحه.
٢٠ - ولما فرغ من خطابه - ﷺ - رجع إلى حال الإنسان السابق ذكره المنكر للبعث، وأنَّ همه إنما هو في تحصيل حطام الدنيا الفاني لا في تحصيل ثواب الآخرة الباقي؛ إذ هو منكر لذلك. فقال: ﴿كَلَّا﴾ ردع للإنسان السابق عن الاغترار بالعاجل. ﴿بَلْ تُحِبُّونَ﴾ أيها الناس ﴿الْعَاجِلَةَ﴾؛ أي: تحصيل حطام الدنيا العاجلة، وترغبون في جمعها.
٢١ - ﴿وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١)﴾؛ أي: وتتركون الاستعداد لها بالإيمان بالله ورسوله وبالإكثار من العبادات.
قرأ الجمهور (١): ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١)﴾ بتاء الخطاب لكفار قريش المنكرين للبعث، و ﴿كلا﴾ رد عليهم وعلى أقوالهم، أي ليس الأمر كما زعمتم وإنما أنتم قوم غلبت عليكم محبة شهوات الدنيا حتى تتركوا معه الآخرة، والنظر في أمرها. وقرأ مجاهد والحسن وقتادة والجحدري وابن كثير وأبو عمرو بياء الغيبة فيهما.
والمعنى: أي (٢) ليس الأمر كما تقولون أيها المشركون من أنكم لا تبعثون بعد مماتكم ولا تجازون باعمالكم، ولكن الذي دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم للدنيا العاجلة وإيثاركم شهواتها على آجل الآخرة ونعيمها، فأنتم تؤمنون بالعاجلة وتكذّبون بالآجلة. قال قتادة: اختار أكثر الناس العاجلة إلا من رحم الله وعصم.
والخلاصة: أنكم يا بني آدم خلقتم من عجل، وطبعتم عليه متعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة وتذرون الآخرة.

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon