إثبات التكذيب لكون الشك بين التصديق والتكذيب، فإذًا لا تكرار في الآية. ﴿وَتَوَلَّى﴾ وأعرض عن الطاعة لله ولرسوله.
والمعنى: أي فما صدق بالله ووحدانيته بل اتخذ الشركاء والأنداد وجحد كتبه التي أنزلها على أنبيائه، وما صلى وأدى فرائضه التي أوجبها عليه بل أعرض، وتولى عن الطاعة.
٣٣ - ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ﴾؛ أي: أهل بيته أو إلى أصحابه حال كونه ﴿يَتَمَطَّى﴾، أي: يتبختر ويختال في مشيته افتخارًا بذلك من المطّ، وهو المد، فإن المتبختر يمد خطاه. يعني: أن التمدد في المشي من لوازم التبختر، فجعل كناية عنه، فيكون أصله: يتمطط بمعنى يتمدد، أبدلت الطاء الأخيرة ياء كراهة اجتماع الأمثال، أو من المطا مقصورًا، وهو الظهر، فإنه يلويه ويحركه في تبختره، فألفه مبدلة من واو. و ﴿يَتَمَطَّى﴾ جملة حالية من فاعل ﴿ذَهَبَ﴾. وفي الحديث: "إذا مشت أمتي المطيطاء، وخدمتهم فارس والروم كان بأسهم بينهم" والمطيطاء كحميراء: التبختر ومد اليدين في المشي، والبأس شدّة الحرب.
والمعنى؛ أي (١) ليته اقتصر على الإعراض، والتولي عن الطاعة بل هو قد ذهب إلى أهله جذلان فرحًا يمشي الخيلاء متبخترًا.
والخلاصة: أنَّ هذا الكافر كان في الدنيا مكذّبًا للحق بقلبه متولّيًا عن العمل بجوارحه، معجبًا بما فعل، فلا خير فيه لا باطنًا ولا ظاهرًا.
٣٤ - ثم هدده وتوعده، فقال: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤)﴾؛ أي: ويل لك مرّةً بعد أخرى، وأهلكك الله هلاكًا أقرب لك من كل شر وهلاك.
ففي الكلام التفات (٢) عن الغيبة إلى الخطاب، فالكلمة الأولى اسم فعل ماض مبنيّة على السكون، والفاعل ضمير مستتر يعود على ما يفهم من السياق، وهو كون هذه الكلمة تستعمل في الدعاء بالمكروه، واللام للتبيين؛ أي؛ لتبيين المفعول، وهي في المعنى زائدة على حدّ سقيًا لك؛ أي: سقاك الله، والكاف مفعول به.
والمعنى: وليك ما تكرهه وقرب إليك، والكلمة الثانية اسم تفضيل، وهي

(١) المراغي.
(٢) الجلالين مع حاشية الجمل بتصرف.


الصفحة التالية
Icon