خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: فهو أولى بك؛ أي: فالمكروه المدعو به عليك أولى، وأحقّ وأحرى بك من غيرك. فدلت الكلمة الأولى على الدعاء عليه بقرب المكروه منه، ودلت الثانية على الدعاء عليه بأن يكون أقرب إليه من غيره.
٣٥ - ثم كرر هذا الوعيد مبالغة في التهديد والوعيد، فقال: ﴿ثُمَّ أَوْلَى لَكَ﴾؛ أي: ثمّ بعد المرة الأولى وليك المكروه مرة ثانيةً. ﴿فَأَوْلَى﴾؛ أي: فهو أحق وأحرى بك من غيرك، فهو تهديد بعد تهديد ووعيد بعد وعيد. فالكلمة الأولى من الأخيرتين تأكيد للأول من الأوليين، والثانية للثانية. وهذا ما سلكه شارح "الجلالين" في تقرير هذا المقام، وانفرد به عن غيره من المفسرين، وهو حسن جدًّا اهـ شيخنا. والخلاصة: يتكرر عليك هذا الدعاء مرةً بعد أخرى فأنت جدير بهذا.
قال الواحديّ (١): قال المفسرون: أخذ رسول الله - ﷺ - بيد أبي جهل ثم قال: ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (٣٤)﴾، فقال أبو جهل: بأيّ شيء تهددني؟ لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئًا، وإنّي لأعز أهل هذا الوادي، فنزلت هذه الآية. وقيل معنى تكرار هذا اللفظ أربع مرّات: الويل لك حيًّا، والويل لك ميتًا، والويل لك يوم البعث، والويل لك يوم تدخل النار. وقيل: إنّ المعنى: إن الذمّ لك أولى لك من تركه، وقيل: غير ذلك مما يطول الكلام بذكره.
٣٦ - ثم أقام الدليل على البعث من وجهين:
١ - فقال: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ﴾؛ أي: أيظن الكافر ﴿أَنْ يُتْرَكَ﴾ ويحيا في الدنيا والآخرة حال كونه ﴿سُدًى﴾؛ أي: مهملًا عن التكاليف والمجازاة، فلا يكلّف في الدنيا، ولا يجزى في الآخرة.
٢ - وقيل: أن يترك في قبره فلا يبعث. والسدى: المهمل، والاستفهام للإنكار.
والمعنى (٢): أي لا يترك الإنسان في الدنيا مهملًا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يترك في قبره مهملًا لا يحاسب بل هو مأمور منهي محشور إلى ربه، فخالق الخلق لا يساوي الصالح المزكّي نفسه بصالح الأعمال والطالح المدسي نفسه باجتراح

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon