قال في "الإرشاد"؛ أي: مكنّاه وأقدرناه على سلوك الطريق الموصل إلى البغية في حالتيه جميعًا، فاما لتفصيل ذي الحال، فإنه مجمل من حيث الدلالة على الأحوال، لا يعلم أن المراد هدايته في حال كفره، أو في حال إيمانه، وبالتفصيل تبيّن أنها تعلقت به في كل واحدة من الحالين. فالشاكر: الموحد، والكفور: الجاحد؛ لأن الشكر الإقرار بالمنعم، ورأس الكفر جحوده، ويقال: شاكر النعمة وكفورها. وإيراد الكفور دون الكافر لمراعاة الفواصل؛ أي: رؤوس الآي والإشعار بأن الإنسان قلما يخلو من كفران ما، وإنما المؤاخذ عليه الكفر المفرط والشكور قليل منهم، ولذا لم يقل: إما شكورًا وإما كفورًا أو إما شاكرًا أو كافرًا.
والحاصل: أن الشاكر والكفور كنايتان عن المثاب والمعاقب، ولما يكن مجرد الكفران مستلزمًا للمؤاخذة لم يصح أن يجعل كناية عنها، بخلاف مجرد الشكر، فإنه ملزوم الإثابة بمقتضى وعد الكريم، فأدير أمر الإثابة على مطلق الشكر لا على المبالغة فيه كما أدير أمر المؤاخذة على المبالغة في الكفران لا على أصله. وكل ذلك بمقتضى سعة رحمة الله وسبقها على غضبه انتهى.
وقرأ الجمهور (١): ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ بكسر الهمزة فيهما. وقرأ أبو السمّال وأبو العجاج وهو كثير بن عبد الله السلمي شامي ولي البصرة لهشام بن عبد الملك بفتحها فيهما، وهي لغة حكاها أبو زيد عن العرب، وهي التي عدها بعض النحاة في حروف العطف، وقيل: هي التفصيلية وجوابها مقدر.
وقال الزمخشري: وهي قراءة حسنة، والمعنى: إما شاكرًا فبتوفيقنا وإما كفورًا فبسوء اختياره انتهى. فجعلها أما التفصيلية المتضمنة معنى الشرط، فلذلك تلقاها بفاء الجواب، فصار كقول العرب: أما صديقًا فصديق.
وحاصل معنى الآية: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾؛ أي: (٢) فأعطيناه السمع والبصر والفؤاد، ونصبنا له الدلائل في الأنفس والآفاق لتكون مسرحًا لشكره، ومغنمًا لعقله. ثم بين أن الناس انقسموا في ذلك فريقين، فقال: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾؛ أي: فبعض اهتدى، وعرف حق النعمة فشكر، وبعض أعرض فكفر. وإجمال ذلك إنا هديناه السبيل ليتميز شكره من كفره وطاعته من معصيته. ونحو الآية قوله:
(٢) المراغي.