مضاف؛ أي: يشربون خمرًا خمر عين. أو منصوب على الاختصاص. والأول أولى. ولما كانت الكأس مبدأ شرابهم أتى فيها بـ ﴿من﴾. وقوله: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ صفة عين. وعباد الله هنا (١): الأبرار من المؤمنين؛ لأن إضافة التكريم إلى اسمه الأعظم مختصة بالمؤمن في الغالب كالإضافة إلى ضمير المتكلم كقوله: ﴿يَاعِبَادِيَ﴾ لرعايتهم حق الربوبية، فمن لم يراعه فكأنه ليس بعبد له؛ أي: يشربون بها الخمر لكونها ممزوجةً بها، كما تقول: شربت الماء بالعسل، فيكون كناية عن قوتها في لذّتها.
والظاهر: يشرب منها عباد الله، فالباء بمعنى من، فإنّ حروف الجر ينوب بعضها مناب بعض، ونظيره: قوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاء﴾؛ أي: أنزلنا من السحاب الماء، صرح به الشيخ المكي رحمه الله. ويعضده قراءة ابن أبي عبلة ﴿يشربها عباد الله﴾. وقيل: إنَّ ﴿يَشْرَبُ﴾ مضمن معنى يلتذّ، وقيل: هي متعلقة بـ ﴿يَشْرَبُ﴾، والضمير يعود إلى الكأس.
﴿يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾؛ أي: يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم، كما يفيده بناء التفعيل؛ إذ التشديد للكثرة إجراءً سهلًا لا تمنع عليهم بل تجري جريًا بقوّة واندفاع، ولأن الأنهار منقادة لأهل الجنة كالأشجار وغيرها، فتفجيرًا مصدر مؤكد للفعل المتضمن معنى السهولة. والجملة صفة أخرى لـ ﴿عَيْنًا﴾. يقال: فجرت العين فانفجرت، وفجرتها فتفجرت إذا أجريتها.
والمعنى: أي إنّ الذين بروا بطاعتهم ربهم فأدوا فرائضه واجتنبوا معاصيه يشربون من خمر كان مزاج ما فيها من الشراب كالكافور طيب رائحة وبردًا وبياضًا. وهذا المزاج من عين يشرب منها عباد الله المتقون، وهم في غرف الجنّات يسوقونها إليهم سوقًا سهلًا، حيث شاؤوا، وبنتفعون بها كما يشاؤون، ويتبعهم ماؤها إلى كل مكان يحبّون وصوله إليه. قال مجاهد: يقودونها حيث شاؤوا وتتبعهم حيث مالوا
٧ - وجملة قوله:
١ - ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر، وكذا ما عطف عليها كأنّه قيل: ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية؟ فقيل: يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، فكيف بما أوجبه الله عليهم من الصلاة والزكاة والصيام