والحج وغيرها. فهو مبالغة في وصفهم بالتوفّر على أداء الواجبات. والإيفاء بالشيء: هو الإتيان به تامًّا وافيًا. و ﴿النذر﴾: إيجاب الفعل المباح على نفسه تعظيمًا لله تعالى بأن يقول: لله عليّ كذا من الصدقة وغيرها. والنذر: قربة مشروعة، ولا يصحّ إلا في الطاعة. وفي الحديث: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه"؛ أي: يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، ومن أوفى بما أوجبه على نفسه فهو على الوفاء بما أوجبه الله عليه أولى.
وقصارى ذلك: أنهم يؤدون ما أوجبه الله عليهم بأصل الشرع، وبما أوجبوه على أنفسهم بالنذر. قال الفرّاء: في الكلام إضمار؛ أي: كانوا يوفون بالنذر في الدنيا.
٢ - ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا﴾؛ أي: يوم القيامة ﴿كَانَ شَرُّهُ﴾؛ أي: هوله وشدته وعذابه ﴿مُسْتَطِيرًا﴾؛ أي: فاشيًا منتشرًا في الأقطار غاية الانتشار بالغًا أقصى المبالغ من استطار الفجر إذا انتشر ضوءه، وهو أبلغ من طار بمنزلة استنفر من نفر. وأطلق الشر على أهوال القيامة، وشدائدها المنتشرة غاية الانتشار حتى ملأت السماوات والأرض مع أنها عين حكمة وصواب لكونها مضرّة بالنسبة إلى من تنزل عليه، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون خبره ﴿مُسْتَطِيرًا﴾ أيضًا، فإن ليوم القيامة أمورًا سارّةً كما أن له أمورًا ضارّةً.
ثم ﴿يُوفُونَ...﴾ إلخ، بيان لأعمالهم وإتيانهم بجميع الواجبات، وقوله: ﴿يخافون﴾ إلخ، بيان لنياتهم حيث اعتقدوا بيوم البعث والجزاء، فخافوا منه، فإن الطاعات إنما تتم بالنيّات، وبمجموع هذين الأمرين سمّاهم الله تعالى بالأبرار. قال مقاتل: كان شره فاشيًا في السماوات، فانشقت وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة. وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه.
والمعنى: أي ويتركون المحرمات التي نهاهم ربهم عنها خيفة سوء الحساب يوم المعاد حين يستطير العذاب، ويفشو بين الناس إلا من رحم الله تعالى.
٣ - ٨ ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾؛ أي: كائنين علي حب الطعام والحاجة إليه، ونحوه قوله تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾. أو كائنين (١) على حب