الإطعام، فيطعمون بطيب النفس، فالضمير إلى مصدر الفعل كما في قوله تعالى: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾. أو كائنين على حب الله؛ أي: إطعامًا كائنًا على حبه تعالى، وهو الأنسب لما سيأتي من قوله: ﴿لِوَجْهِ اللَّهِ﴾ فالمصدر مضاف إلى المفعول، والفاعل متروك؛ أي: على حبهم لله تعالى، ويجوز أن يضاف إلى الفاعل والمفعول متروك؛ أي: على حبّ الله الإطعام. والطعام خلاف الشراب، وقد يطلق على الشراب أيضًا؛ لأن طعم الشيء: ذوقه مأكولًا أو مشروبًا. والظاهر: الخصوص وإن جاز العموم، والأظهر: أن المراد من إطعام الطعام الإحسان إلى المحتاجين ومواساتهم بأيّ وجه كان، وإنما خص الطعام لكونه أشرف أنواع الإحسان جرم أن عبر به عن جميع وجوه المنافع.
واعلم (١): أنّ مجامع الطاعات محصورة في أمرين الطاعة لأمر الله، ماليه الإشارة بقوله: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ﴾، والشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ﴾. فإن الطعام وهو جعل الغير طاعمًا كناية عن الإحسان إلى المحتاجين والمواساة إليهم بأي وجهٍ كان، وإن لم يكن ذلك بالطعام بعينه إلا أن الإحسان بالطعام لما كان أشرف أنواع الإحسان.. عبر عن جنس الإحسان باسم هذا النوع، كما في "حواشي ابن الشيخ".
﴿مِسْكِينًا﴾؛ أي: فقيرًا لا شيء له أصلًا عاجزًا عن الكسب. ﴿وَيَتِيمًا﴾؛ أي: طفلًا لا أب له ﴿وَأَسِيرًا﴾ مأخوذًا لا يملك لنفسه نصرًا ولا حيلة، أي أسير كان فإنه - ﷺ - كان يؤتى بالأسير، فيدفعه إلى بعض المسلمين، فيقول: أحسن إليه؛ لأنه يجب إطعام الأسير الكافر والإحسان إليه في دار الإِسلام عند عامّة العلماء إلى أن يرى الإمام رأيه فيه من قتل أو منّ أو فداء أو استرقاق. وفي "الخطيب": خصّ هؤلاء الثلاثة بالذكر، لأن المسكين عاجز عن الاكتساب بنفسه لما يكفيه، واليتيم مات من يكتسب له، وبقي عاجزًا عن الكسب لصغره، والأسير لا يملك لنفسه نصرًا ولا حيلة انتهى.
والمعنى (٢): أي ويطعمون الطعام وهم في محبة له، وشغف المسكين العاجز عن الاكتساب واليتيم الذي مات أبوه، والأسير المأخوذ من قومه المملوكة رقبته
(٢) المراغي.