عامر، ونافع، والكسائي، وابن محيصن.
﴿وَقيلَ﴾ لهم توبيخًا لهم وتشديدًا لعذابهم بالنار الروحانية قبل الإحراق بالنار الجسمانية، والقائلون هم الزبانية، وإيراد (١) المجهول لكون المراد بيان المقول لا بيان القائل. ﴿هَذَا﴾ مبتدأ، أشير به إلى ما رأوه زلفة، وخبره قوله: ﴿الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ﴾: أي: هذا العذاب المشاهد لكم هو الذي كنتم تطلبونه في الدنيا وتستعجلونه، إنكارًا واستهزاءًا، على أنه تفتعلون من الدعاء، والباء على هذا صلة الفعل، يقال: دعا بكذا، إذا استدعاه، وقيل: هو من الدعوى؛ أي: كنتم بسب ذكر النبي - ﷺ - والمؤمنين العذاب لكم يوم القيامة تدعون أن لا بعث ولا حشر، فالباء للسببية.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿تَدَّعُونَ﴾ بشد الدال مفتوحة، والمعنى: أنهم يدعون أنه لا بعث ولا حشر ولا جنة ولا نار. وقرأ قتادة، وابن أبي إسحاق ويعقوب والضحاك والحسن وعبد الله بن مسلم وسلام ﴿تَدْعُون﴾ بسكون الدال، وهي قراءة ابن أبي عبلة وأبي زيد وعصمة عن أبي بكر والأصمعيّ عن نافع. قال قتادة: هو قولهم: ﴿رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا﴾، وقال الضحاك: هو قولهم: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ الآية. قال النَّحَّاس: ﴿تَدَّعُونَ﴾ و ﴿تَدْعُون﴾ بمعنى واحدٍ؛ كما تقول: قدر واقتدر، وغدا واغتدى.
والمعنى (٣): فلما رأوا العذاب الموعود قريبًا - وكل آت قريب وإن طال زمنه - ساءهم ذلك، وعلت وجوههم الكآبة والخسران، وغشيتها القترة والسواد؛ إذ جاءهم من أمر الله ما لم يكونوا يحتسبون، ويقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ: هذا الذي كنتم تستعجلون وقوعه وتقولون لرسوله: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٣٣)﴾.
٢٨ - وروي (٤): أنّ الكفار كانوا يدعون على الرسول - ﷺ - وأصحابه بالهلاك، وقيل:
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.