الدنيا، ولا شكورًا عن عذاب الآخرة؛ إذ كل عمل يعمله العامل لثواب الآخرة لا يكون لوجه الله تعالى، بلى يكون لحظ نفسه، كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)﴾. وقال - ﷺ - حكايةً عن الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه".
والحاصل: أن معاملة العبد المخلص إنما هي مع الله، فلا حق له على الغير، فكيف يريد ذلك؟ وفيه نصح لمن أراد النصيحة، فإن الإطعام ونحوه حرام بملاحظة الغير، وحظ النفس، فيجب أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى من غير شوب بالرياء وبحظ المنعم.
والمعنى (١): إنّما نطعمكم لوجه الله تعالى، فلا نمن عليكم، ولا نتوقع منكم مكافأةً ولا غيرها مما ينقص الأجر. ثم أكد هذا ووضحه بقوله: ﴿لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً...﴾ إلخ؛ أي: لا نطلب منكم مجازاةً تكافئوننا بها، ولا أن تشكرونا لدى الناس. قال مجاهد، وسعيد بن جبير: أما والله ما قالوه بألسنتهم، ولكن علم الله من قلوبهم، فأثنى به ليرغب في ذلك راغب.
٢ - ١٠ خوف يوم القيامة، وإلى ذلك أشار بقوله: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (١٠)﴾؛ أي: عذاب يوم متّصف بهاتين الصفتين، فلذلك نفعل بكم ما نفعل، رجاء أن يقينا ربنا بذلك الإطعام شره، لا لإرادة مكافأتكم. فقوله (٢): ﴿إِنَّا نَخَافُ...﴾ إلخ، بدل من قوله: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ...﴾ إلخ، في معرض التعليل لإطعامهم، فقوله: ﴿يَوْمًا﴾ مفعول ﴿نَخَافُ﴾ على تقدير مضاف، كما ذكرنا، فـ ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾ حال مقدمة منه، ولو أخر.. لكان صفة له. أو مفعوله قوله: ﴿مِنْ رَبِّنَا﴾ بواسطة حرف الجر على ما هو الأصل في تعديته؛ لأنّه يقال: خاف منه، فيكون ﴿يَوْمًا﴾ بدلًا من محله بدون تقدير، بناءً على التعدية بنفسه أو بتقدير ﴿نَخَافُ﴾ آخر. وقوله: ﴿عَبُوسًا﴾ من قبيل إسناد الفعل إلى زمانه.
والمعنى: يومًا تعبس فيه الوجوه كما روي: "أنَّ الكافر يعبس يومئذٍ حتى

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon