والمعنى: إنهم لا يرون في الجنة حر الشمس، ولا برد الزمهرير. وقال ثعلب: الزمهرير: القمر بلغة طيّىء.
والمعنى (١): أي لا يرون في الجنة حرارة ولا برودةً، كما يرون في الدنيا. لأنّ الحرارة غالبة على أرض العرب، والبرودة على أرض العجم والروم؛ أي: يمرّ عليهم هواء معتدل لا حار، ولا بارد مؤذ، بل جوّ واحد معتدل دائم سرمديّ فهم لا يبغون عنها حولًا. يعني: أنّ قوله: ﴿لَا يَرَوْنَ...﴾ إلخ، كناية عن هذا المعنى. وفي الحديث: "هواء الجنة سجسج لا حر فيه ولا قر". أي: معتدل لا حر فيه ولا برد، فإن القر بالضم: البرد.
١٤ - وقوله: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: قريبة إليهم ﴿ظِلَالُهَا﴾؛ أي: ظلال أشجار الجنة. والظلال: جمع ظلّ بالكسر نقيض الضح، و ﴿ظِلَالُهَا﴾ فاعل ﴿وَدَانِيَةً﴾ من الدنو بمعنى القرب، إمّا بحسب الجانب أو بحسب السمك. والضمير إلى الجنّة أو إلى أشجارها.
والمعنى: إنّ ظلال أشجار الجنة قريبة من الأبرار من جوانبهم حتى صارت الأشجار بمنزلة المظلّة عليهم، وإن كان لا شمس فيها مؤذية لتظلهم منها بمعنى أنه لو كان هناك شمس مؤذية.. لكانت أشجارها مظلة عليهم. ففيه بيان لزيادة نعيمهم، وكمال راحتهم، فإن الظل في الدنيا للراحة، ويقال: إنّ في الجنّة من الضياء ما لا يحتاجون معه إلى شمس ولا قمر، ونور الجنة من نور العرش.
وقرأ الجمور (٢): ﴿وَدَانِيَةً﴾ بالنصب عطفًا على محل ﴿لَا يَرَوْنَ﴾ أو على ﴿مُتَّكِئِينَ﴾ أو صفة لمحذوف؛ أي: وجنة دانية، كأنّه قال: وجزاهم جنة دانية. وقال الزجاج: هو صفة لـ ﴿جَنَّةً﴾ المتقدم ذكرها. وقال الفرّاء: هو منصوب على المدح. وقرأ أبو حيوة ﴿وَدَانيةٌ﴾ بالرفع على أنه خبر مقدم، و ﴿ظِلَالُهَا﴾ مبتدأ مؤخّر، والجملة في موضع النصب على الحال. وقرأ ابن مسعود والأعمش ﴿ودانيا عليهم﴾ وهو كقول: ﴿خاشعا أبصارهم﴾. وقرأ أبيّ ﴿ودان﴾ مرفوعًا.
وقوله: ﴿وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا﴾؛ أي: سخّرت ثمارها، وسهّل تناولها لهم. ﴿تَذْلِيلًا﴾؛
(٢) الشوكاني.