يقدروا على حسب ما اشتهوا انتهى.
وقال أبو حاتم: قدرت الأواني على قدر ريهم.
وقال أبو حيان (١): والأقرب في تخريج هذه القراءة الشاذّة أن يكون الأصل: قدر ريهم منها تقديرًا، فحذف المضاف، وهو الريّ، وأقيم الضمير مقامه، فصار التقدير: قدّروا منها، ثم اتسع في الفعل فحذف ﴿مِنْ﴾، ووصل الفعل إلى الضمير بنفسه، فصار قدروها تقديرًا، فلم يكن فيه إلا حذف مضاف واتساع في المجرور انتهى.
١٧ - وبعد أن وصف أواني مشروبهم وصف المشروب نفسه، فقال: ﴿وَيُسْقَوْنَ﴾؛ أي: الأبرار ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في الجنة بسقي الله، أو بسقي الطائفين بأمر الله. وفيه زيادة تعظيم لهم ليست في قوله: ﴿يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ﴾ بصيغة المعلوم. ﴿كَأْسًا﴾؛ أي: خمرًا. وقد تقدم أنّ الكأس هو الإناء فيه الخمر، وإذا كان خاليًا من الخمر فلا يقال له: كأس. ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾؛ أي: ما تمزج به، وتخلط ﴿زَنْجَبِيلًا﴾ والزنجبيل (٢): عرق يسري في الأرض ونباته كالقصب والبردي، وعلم منه أن ما كان مزاجها زنجبيلا غير ما كان مزاجها كافورًا.
والمعنى: أنّ أهل الجنة يسقون في الجنة كأسًا من الخمر ممزوجة بماء يشبه الزنجبيل في الطعم، وكان الشراب الممزوج به أطيب ما يستطيب العرب، وألذ ما تستلذ به. لأنه يحذو اللسان، ويهضم الطعام، كما في "عين المعاني".
١٨ - ولما كان في تسمية تلك العين بالزنجبيل توهم أن ليس فيها سلاسة الانحدار في الحلق وسهولة مساغها كما هو مقتضى اللذع والإحراق أزال ذلك الوهم بقوله: ﴿عَيْنًا﴾ بدل من ﴿زَنْجَبِيلًا﴾ أو من ﴿كَأْسًا﴾ أو بفعل مقدر؛ أي: يسقون عينا ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في الجنة ﴿تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا﴾ لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، فكأنَّ العين سميت بصفاتها. والسلسبيل: الشراب اللذيذ. قال بعضهم: يطلق عليها ذلك، وتوصف به لا أنه علم لها. يعني: أن ﴿سَلْسَبِيلًا﴾ صفة لا اسم، وإلّا لامتنع من الصرف للعلمية والتأنيث، ولم يقرأ به واحد من العشرة. ويقال: إنما صرف مع أنه اسم عين، وهي مؤنث معنوي لرعاية رأس الآية. وقال ابن المبارك: من طريق
(٢) روح البيان.