القيامة، فلا يستعدون له بالإيمان والطاعات، ولا يعبؤون به، فهم كمن ينبذ الشيء وراء ظهره تهاونًا به واستخفافًا بشأنه، وإن كانوا في الحقيقة مستقبلين له، وهو أمامهم. وسمي ثقيلًا لما فيه من الشدائد والأهوال. و ﴿يَوْمًا﴾ مفعول ﴿يذرون﴾، و ﴿ثَقِيلًا﴾ صفته. ووصفه بالثقل مع أنه من صفات الأعيان الجسمية لا الامتدادات الوهمية لتشبيه شدّته وهوله بثقل الحمل الثقيل. ففيه استعارة تخييليّة. وفي الآية وعيد لأهل الدنيا ونعيمها خصوصًا لأهل الظلم والرشوة.
والمعنى (١): أنَّ هؤلاء المشركين بالله يحبون الدنيا وتعجبهم زينتها، وينهمكون في لذّاتها الفانية، ويدعون خلف ظهورهم العمل لليوم الآخر وما لهم فيه النجاة من أهواله وشدائده.
والخلاصة: لا تطع الكافرين، واشتغل بالعبادة؛ لأنّ هؤلاء تركوا الآخرة للدنيا، فاترك أنت الدنيا وأهلها للآخرة.
٢٨ - ثم نعى عليهم تركهم للعبادة وغفلتهم عن طاعة بارئهم وموجدهم من العدم فقال: ﴿نَحْنُ﴾ لا غيرنا ﴿خَلَقْنَاهُمْ﴾؛ أي: ابتدأنا خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة إلى أن كمل خلقهم، ولم يكن لغيرنا في ذلك عمل ولا سعي لا اشتراكًا ولا استقلالًا. ﴿وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ﴾؛ أي: قوينا ربط مفاصلهم بالأعصاب؛ أي: شددنا أوصالهم ومفاصلهم، وربطنا بعضها إلى بعض بالعروق والأعصاب، ليتمكنوا بذلك من القيام والقعود والأخذ والدفع والحركة. وحق الخالق المنعم أن يشكر ولا يكفر. ففيه ترغيب. والأسر: الربط، ومنه: أسر الرجل إذا أوثق بالقد، وقدر المضاف وهو المفاصل. وقال الراغب: فيه إشارة إلى الحكمة في تركيب الإنسان المأمور بتدبر نفسه وتأملها في قوله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)﴾. وقيل المعنى: شددنا مخرج البول والغائط إذا خرج الأذى انقبض، أو معناه: أنه لا يسترخي قبل الإرادة.
والمعنى: أي كيف يغفلون عنَّا، ونحن الذين خلقناهم، وأحكمنا ربط مفاصلهم بالعروق والأعصاب، أفبعد هذا نتركهم سدى؟.