ثم توعدهم وهدَّدهم، فقال: ﴿وَإِذَا شِئْنَا﴾ تبديلهم ﴿بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ﴾؛ أي: بدلناهم بأمثالهم بعد إهلاكهم. وإذا شئنا أهلكناهم، وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلًا منهم. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠)﴾، وقوله: ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ﴾.
وقد جرت سنّة الله سبحانه بأن يزيل ما لا يصلح للرقي من خلقه، فهو يهلك هؤلاء ويبدل أمثالهم، فيجعلهم مكانهم كما هي قاعدة بقاء الصلاح والأصلح واهلاك ما لا يصلح للبقاء. والتبديل (١) يتعدى إلى مفعولين غالبًا كقوله تعالى: ﴿يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾؛ أي: يذهب بها ويأتي بدلها بحسنات.
وقوله: ﴿تَبْدِيلًا﴾ مصدر مؤكّد لعامله.
والمعنى: أي وإذا شئنا.. بدّلنا غيرهم ممن يطيع كقوله تعالى: ﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾. ففيه ترهيب، فالمثلية باعتبار الصورة، ولا ينافيها الغيريّة باعتبار العمل والطاعة. و ﴿إِذَا﴾ للدلالة على تحقّق القدرة وقوة الداعية، وإلّا فالمناسب (إن)، إذ لا تحقق لهذا التبديل. أو المعنى ﴿تَبْدِيلًا﴾ عجيبًا لا ريب فيه، وهو البعث، كما ينبىء عنه كلمة ﴿إِذَا﴾، فالمثلية في النشأة الأخرى إنما هي في شدّة الأسر وباعتبار الأجزاء الأصلية، ولا ينافيها الغيرية بحسب العوارض كاللطافة والكثافة.
٢٩ - وبعد أن ذكر أحوال السعداء والأشقياء أرشد إلى أنَّ في هذا الذكر تذكرةً وموعظةً للخلق وفوائد جمّة لمن ألقى سمعه وأحضر قلبه، وكانت نفسه مقبلة على ما ألقى إليه سمعه. فقال: ﴿إنَّ هَذِهِ﴾ إشارة إلى السورة أو الآيات القريبة ﴿تَذْكِرَةٌ﴾؛ أي: عظة مذكرة لما لا بد منه في تحصيل السعادة الأبديّة جعلت عين التذكرة مبالغة. وفي "عين المعاني": تذكرة؛ أي: إذكار بما غفلت عنه عقولهم. ﴿فَمَنْ شَاءَ﴾ منكم ومن غيركم أن يتخذ إليه تعالى سبيلًا؛ أي: وسيلةً توصله إلى ثوابه. ﴿اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾؛ أي: تقرب إليه تعالى بالعمل بما في تضاعيف هذه السورة أو الآيات القريبة. وقال ابن الشيخ: فمن شاء النجاة من ثقل ذلك اليوم وشدّته اختار سبيلًا مقرّبًا إلى مرضاة ربّه، وهو الطاعة.