الخزي والعذاب على الكافرين المكذّبين.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لمّا حذر الكافرين، وخوّفهم بأن يوم الفصل كائن لا محالة، وأقسم لهم بملائكته المقرّبين ورسله الطاهرين بأنه يوم سيكون، وأن فيه من الأهوال ما لا يدرك كنهه إلا علام الغيوب.. أردف ذلك بتخويفهم بأنه أهلك الكفار قبلهم بكفرهم، فإذا سلكتم سبيلهم فستكون عاقبتكم كعاقبتهم، وستعذبون في الدنيا والآخرة. ثم أعقبه بتخويفهم بنكران إحسانه إليهم، فإنه قد خلقهم من ماء مهين في قرار مكين إلى زمن معلوم، ثم أنشاهم خلقًا آخر، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة ليشكروا نعم الله عليهم، فكفروا بها، وأنكروا وحدانيته، وعبدوا الأصنام والأوثان. ثم ذكرهم بنعمه في الآفاق؛ إذ خلق لهم الأرض، وجعلها تضمهم أحياء وأمواتًا، وجعل فيها الجبال لئلا تميد بهم، وجعل فيها الأنهار والعيون، ليشربوا منها ماءً عذبًا زلالًا. فويل لمن كفر بهذه النعم العظام.
قوله تعالى: ﴿انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر أن للمكذّبين بالله وأنبيائه واليوم الآخر العذاب في يوم الفصل والجزاء.. بيَّن هنا نوع العذاب بما يحار فيه أولو الألباب، وغير من هوله كل مخبت أواب. فأخبر بأنهم يؤمرون بالانطلاق إلى ما كانوا يكذّبون به في الدنيا إلى ظل دخان جهنم المتشعب لكثرته وتفرقه إلى ثلاث شعب عظيمة، وهو لا يظلهم ولا يمنع عنهم حر اللهب المتكون من نار ترمي بشرر كأنه القصر المشيد علوًّا وارتفاعًا، وكأنه الجمال الصفر انبساطا وتفرّقًا عن غير أعداد محصورة وحركة غير معيّنة. ثم أخبر بأن الويل للمكذبين بهذا اليوم يوم لا ينطقون من شدّة الدهشة والحيرة، ولا يؤذَن لهم في الاعتذار فيعتذرون يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، ويقال لهم على سبيل التأنيب والتقريع: إن كنتم تستطيعون أن تدفعوا عن أنفسكم شيئًا من العذاب فهلموا.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (٤١)...﴾ إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما بين (١) ما يحل بالكفار من الخزي والنكال